لا مصلحة في استمرار حرب السودان
لم يكن ما ورد في تقرير وكالة رويترز قبل يومين عن كيفية اقتراب قوات الدعم السريع من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في اليوم الأول من اشتباكات السودان وحتى قتل 35 من حرّاسه، على ذمة أحد مصادرها، مفاجئاً، فهذه القوات أشرِكت في تأمين حماية القصر الرئاسي، كما عديد من المقارّ الرسمية الأخرى. وسواء أكان تغلغلها في العاصمة برضا البرهان أو أمرا واقعا بحكم نفوذها، أظهرت التطورات أنه لا يُؤمن لها جانب. لكن سير المعارك أظهر أيضاً مدى ضعف الجيش السوداني في أي مواجهةٍ على الأرض. فحتى اللحظة، ما يمنح الجيش تفوقاً نسبياً هو سلاح الجو الذي يحتكره، لكن الفروق في الميدان تبدو شاسعة بين قوات الدعم السريع والقوات النظامية، إذ اكتسبت الأولى خبرتها جرّاء الحروب التي خاضتها داخل السودان وخارجه، وظهر هذه المرّة من الخرطوم مدى تمرّسها في حرب الشوارع، مع كل ما يرافق ذلك من اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية.
وبانتظار معرفة ما إذا كانت مفاوضات جدّة ستنتهي بوقف إطلاق النار فترة وجيزة أو بتحقيق اختراق أوسع يضع أسساً لإنهاء الأزمة، وإن كان الخيار الثاني مستبعداً، فإن قرابة شهر من المعارك تؤكّد المؤكّد أن استمرار هذه الحرب كارثة يفترض بذل كل ما يمكن للحيولة دون بقاء هذا الخيار وارداً. ويفتح طول أمد الحرب الوضع العسكري على سيناريوهات عدّة، منها تلقّي المؤسسة العسكرية ضربة موجعة مع كل ما يحمله سيناريو كهذا من مخاطر، سيما أنها تمثل القوات النظامية في البلاد، على عكس "الدعم السريع" التي تشكل قوات رديفة، وبشكل أدقّ مليشيات.
ليس توقف الحرب ضرورة من الناحية العسكرية فقط. وإنما تداعيات الاشتباكات، على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، عميقة جداً. تفجّرت المعارك في وقتٍ كان السودانيون يشكون فيه أصلاً من أوضاعهم المعيشية المتردّية. تعود أحدث الإحصاءات إلى سبتمبر/ أيلول 2020، وتفيد بأن 77% من المواطنين يعيشون تحت خطّ الفقر. وهؤلاء انحدرت أوضاعهم عقب انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول 2021، سيما بعدما توقف أي دعم خارجي كانت تتلقّاه الحكومة عقب إطاحة الحكومة. ويمكن تصور أوضاعهم حاليا.
ويُخشى أن يؤدّي استمرار الحرب واتساعها إلى ضرب ما تبقّى من اقتصاد خصوصاً القطاع الزراعي الاستراتيجي، إذا ما وصلت المعارك إلى مشروعات الزراعة. وعندها تصبح المجاعة أمراً واقعاً. كما أن أي إدامة للحرب تفاقم الأزمة الإنسانية التي دخلت سريعاً في دائرة الكارثة، خصوصاً بعدما شارف القطاع الصحي منذ الأيام الأولى للاشتباكات على الانهيار في ولاية الخرطوم وغرب دارفور، جرّاء المعارك، ونهبت مستودعات برنامج الأغذية العالمية ومنظمات عديدة بخسائر قدّرت، في حدّها الأدنى، بنحو 17 ألف طن من المساعدات، وبما يعادل نحو 14 مليون دولار.
وخلال أقل من شهر، يقترب عدد المشرّدين جراء الحرب من نحو مليون، موزّعين بين لاجئين إلى دول الجوار ونازحين داخلياً في بلد أصلاً يوجد فيه نحو 3.7 ملايين شخص، معظمهم في دارفور، نزحوا داخلياً على مدى العقود الماضية بسبب الاقتتال الأهلي، من دون أن يتمكّنوا من العودة إلى مناطقهم. ويمكن تصوّر انضمام مئات آلاف آخرين إليهم إذا استمرّت الحرب، خصوصاً بعد أن كان الإقليم أكثر المتأثرين بها بعد الخرطوم، حيث يتّخذ الاقتتال في دارفور ليس طابعاً عسكرياً فقط، بل قبلي أيضاً مع كل ما يرافق ذلك من جرائم وانتهاكات ونهب.
ويشكل تزايد أعداد اللاجئين والنازحين عبئاً إضافياً على البرامج الإغاثية في السودان والدول المجاورة. وحتى هيئات الأمم المتحدة المعنية مباشرة بأزماتٍ كهذه، ومن بينها مفوضية شؤون اللاجئين، تعاني نقصاً في التمويل. لهذه الأسباب مجتمعة، كل يوم إضافي في حرب السودان يزيد التكلفة على المستويات كافة.