لا طماطم في لندن

10 مارس 2023

صناديق فارغة من الطماطم في متجر في لندن (22/2/2023/Getty)

+ الخط -

أصبحت الطماطم سلعةً يتراجع وجودها في أسواق الخضار في لندن منذ منتصف الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، وجرى تحديد الحد الأعلى الذي يمكن للزبون شراؤه بحبّتين، وتفاقمت الأزمة منذ بداية شهر مارس/ آذار الحالي، حتى أخذت تختفي من التداول عدة أيام، ومعها الخيار، والفلفل، والخس، والباذنجان. وضجّت وسائل الإعلام والتواصل حيال وضعٍ غريبٍ لم يسبق لبريطانيا أن مرّت به منذ الحرب العالمية الثانية، ولا شبيه له اليوم في بلد أوروبي آخر، حتى أوكرانيا لم تواجِه هذا الوضع الغريب بعد عام من الحرب التدميرية، فهي ما زالت تفلح وتزرع وتنتج غذاءها بنفسها، الأمر الذي طرح أسئلة كثيرة عن سبب وصول بريطانيا إلى هذه الحالة، وما إذا كانت الأزمة تقتصر على فقدانٍ مؤقّتٍ لبعض الخضار، أم أن هذا ليس سوى الوجه الظاهر من أزمةٍ أكبر؟ وتسري مخاوف من أن ما يحصل منذ أسبوعين بالتدريج ليس سوى جرس إنذار لأزمات مقبلة تهدّد الأمن الغذائي، بسبب العجز وسوء إدارة للبلد، الذي ضربته في العامين الماضيين سلسلة من الأزمات السياسية الحادّة اضطرّ خلالها إلى تغيير ثلاثة رؤساء حكومات، أولهم بوريس جونسون، الذي يجري تحميله القسط الأكبر من مسؤولية المطبّات السياسية والاقتصادية، التي تتوالى منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016.

التفسير الرسمي المتداول لفقدان الخضار وجود مصاعب في وصولها من المغرب وإسبانيا، بسبب سوء الأحوال الجوية وارتفاع أسعار الطاقة، وهذا تبرير صحيح، إلا أن بريطانيا تواجِه وحدها هذا الوضع، وتعتمد على استيراد الخضار كليا من الخارج، ولا تتّبع سياسات زراعية على غرار بقية البلدان الأوروبية التي لم تتأثر بالاستيراد، وتحفل أسواقها بالخضار بأسعار معقولة، ولم ترتفع على النحو الذي عرفته الأسعار في بريطانيا خلال عام واحد عدّة مرات، حتى وصلت إلى نسبة الضعف، وترافق ذلك بارتفاع للأسعار بصورة عامة، وقفز بعضها قفزات خيالية مثل الكهرباء والغاز. ويجري تبرير ذلك كله بالحرب على أوكرانيا التي رفعت أسعار الطاقة، ورتّبت على أوروبا تسديد فاتورة مساعدات باهظة لأوكرانيا، من أجل تعزيز صمودها عسكريا وإنسانيا، وخصوصا مساعدة نحو عشرة ملايين لاجئ نحو أوروبا، ولاسيما بلدان الجوار، مثل بولونيا ورومانيا.

لا جدال في أن حرب أوكرانيا سبّبت أزمةُ اقتصادية كبيرة، تتحمّل أوروبا القسط الأكبر منها، ولكن بريطانيا تواجه أزمتين إضافيتين فوق ذلك، تتعلّق الأولى بنتائج "بريكست" وخروجها من الاتحاد الأوروبي، والثانية سوء إدارة حزب المحافظين الحاكم البلد، فهو يتخبّط منذ اختار "بريكست"، ولا يجد مخرجا لأزمات البلاد، كونه لا يمتلك خطة بديلة لمواجهة الآثار والنتائج المترتبة على ذلك، خصوصا من الناحية الاقتصادية، ومثال ذلك الخسارة الكبيرة التي أصابت سوق لندن المالي من انسحاب الشركات الأوروبية التي كانت تمثل أكثر من نصف راس المال الذي يحرّك الماكينة الاقتصادية، وهذه خسارة سحبت نفسها على المستويات كافة، وشكّلت حالة من الانكماش في عدّة قطاعات حيوية. وذلك كله بالإضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يضغط على لندن من أجل الالتزام باتفاق بريكست. وهناك مشكلات قائمة، ومنها ما يخصّ أيرلندا الشمالية، وغيرها. وتؤكّد الأزمة الحالية أنها مقدّمة لغيرها، في وقت باتت فيه بريطانيا خارج السوق الأوروبية المشتركة التي تتقاسم الأعباء، وتتصرّف على نحو تضامني في أثناء الأزمات. والأمر الأكثر سوءا أن الحكومات البريطانية المتعاقبة تواصل الهرب إلى الأمام، وغير قادرة على مواجهة الآثار السلبية، وتحمل الناس كلفة خسائر الخروج من أوروبا، بانتظار معجزة لن تحصل في زمن الحروب والزلازل والأوبئة.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر