لا تصدّقوا جوني ديب
عندما ترى جسد شخصٍ مُغطّى بالأوشام، لا تظن أنّه ذو بأس شديد. حتى ولو كان طويل الشّعر وملتحيا. لا يغرنّك هذا المظهر الخشن، لشخصٍ يُخبّئ ضعفه عن العالم الذي يتذكّره شاباً بريئاً ولطيفاً. حتّى عندما أدّى جوني ديب، أدوار شخصياتٍ عنيفة، فإنّه منحها عشرات الإكسسوارات لتُخفي حقيقته، وتُقنع المشاهد، فيرى العالم شخصية ذات بأس، مثل جاك سبارو، بدل الشاب الضّائع والمرهف الذي هو عليه، مع أنّه كان بإمكانه ترك وجههِ عارياً من المؤثّرات والمكياج، تاركاً العنان لِلّؤم ليطلّ مباشرة من عينيه. لكنّه لم يستطع حتى ذلك، لذا قدّم الشرّ مُقَنّعاً حتى ولو كان شرّاً ظريفاً خفيف الدم، مثل شر جاك سبارو.
عندما توالت على هذا الرجل تُهم العنف تجاه زوجته السّابقة، لم يصعُب على الناس تصديقها أمام مظهره المغلق الغامض، الذي قد يخبّئ رجلاً عنيفاً، لا طفلاً كبيراً. هل تذكرون إدوارد ذا اليدين - المقصّات (Edward Scissorhands)، الشّاب الظريف ذا الأصابع الحديدية، الذي خاف منه الجميع، بينما هو أرقّ من النسمة؟ إنه جوني نفسُه الآن، بعد أن كان مجرّد شخصية سينمائية.
عندما عُقدت أول جلسات الاستماع في المحاكمة التي بثت في دعوى جوني ديب ضد زوجته السابقة بتهمة التشهير، انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي الشماتة في النساء والنسوية كالعدوى. فها هي حالةٌ نموذجيةٌ للعنف، والضّحية رجلٌ لا امرأة كما تزعم النّسويات. كيف يمكن أن يشمت عاقلٌ في ضحيّة عنف، رجلاً كان أو امرأة، وألّا يرى الشامتون كمية العنف ضد المرأة حولهم؟ حتى في أسرهم وعوائلهم لن ينعدم العنف ضد النساء. لكنهم حتّى في تلك الحالات يتملّصون من فعل شيء، لأن المعنّف رجل، ولهذا هو معذورٌ بنظرهم، فما من شيءٍ أزعج من النساء في الحياة. لذا يهاجمون النّسويات لأنّهن يفضحن المعنّفين، وصمت غيرهم، من الذين يقرّون بأنهم قد يصبحون يوما ما من المعنّفين، فالمرء، في نظرهم، لا يعرف ماذا يحدُث في المستقبل. وهم لا يستبعدون العنف مهما حصل، بل يربطونه بظروفٍ معينة، تؤدّي آلياً إلى العنف، والمسؤولة عنها هي الضحية لا المُعنِّف، فهي التي استفزّته بتصرّف أو بكلام. بمعنى أن حضراتهم يتخذون ديب وسيلةً لمقايضة العنف الذي تشكو منه النساء. رغم أن جوني نفسه، وهو ضحية عنف زوجته المفترية، سكت سنوات حتى لا يجرح سمعة مطلّقته، بينما هي تهاجمه بلا هوادة. لكن الرجل الذكوري لم يألُ جهداً لمقارنة هذه بتلك.
ألقت قضية جوني ديب الضوء على العنف ضد النساء، أكثر مما أضرّت بها كما يحسب الذكوريون، فجوني ديب مثالٌ نموذجي للضّحية، وأمبر هيرد نموذج للسلوك العنيف الذي ينطبق عليه مثل "ضربني وبكى سبقني للقاضي واشتكى". فيُقنع المعنّف ضحيته بأنها السبب والخطأ عليها، لهذا ليس تصرفه العنيف سوى ردّ على الاستفزاز. وفوق ذلك، يسعى إلى تحطيم مصداقيتها في المحيط، حتى إذا تحدّثت لن يصدّقها أحد. فهو إنسان محترم لا يتخيّل أحدٌ أنه وحش خلف الأبواب، خصوصا في غياب دليل. وهو أول سلاحٍ ضد ضحايا العنف، وحامله ليس المعنّف، بل الذي يجدر أن يحميها منه.
لهذا كان شعار "صدقوا الناجيات" أساس الحملة ضد العنف، مثلما كان شعار "أنا أيضا". كلا الشعارين ينطلقان من صعوبة تصديق ضحايا العنف، لأنهن يصمتن إلّا إذا تحدّث غيرهن فتقول الضحية الخائفة "مي تو"، درءاً لخطر التكذيب، بما أن هناك أخريات غيرها. صدّقوا جوني ديب وضحايا الوحوش البشرية، التي تُخرج قبحها الداخلي على غيرها، مستغلّة مظهرها البريء أو الجميل أو المحترم. مهما كانت الشّخصية العنيفة ذات مظهر جيد ولطيف مع الآخرين، هذا لا يعني أنه لا يرقد وحشٌ مدمّر داخلها، خلف القناع. الوحش الجميل لم يكن جوني وأوشامه، بل أمبر وجمالها وشعرها الأشقر وانتماؤها إلى الجنس الناعم.
صدّقوا جوني ديب أو لا تصدّقوه، أو ضحايا العنف من الجنسين. لكن انتبهوا، لأنّ قضاياهم سرعان ما تعود شيئاً آخر حين يفشل المجتمع في حمايتهم، فالعنف عدوى قاتلة، لا يمكن وأدها بكمّامة، بل تحتاج معقّماً يقضي على الجراثيم.