لا تحفل بسردية هذا النص

13 سبتمبر 2022

مشهد لاجتماع وزراء الخارجية في القاهرة (6/9/2022/فرانس برس)

+ الخط -

مصادفةً، وقعت قبل أيام على بيان عرمرمي صادر عن اجتماع انعقد على مستوى وزراء الخارجية العرب في القاهرة، من دون أن يكون لدي علم مسبق بموعد انعقاد هذا الاجتماع الروتيني، الذي سقط من الذاكرة لفرط ثانويته، أو تكون عندي دراية بمناسبة التئامه في هذا الوقت المزدحم بالأحداث المهمة والوقائع المتسارعة، نظراً إلى انعدام أي تغطية إعلامية لحضور الوزراء وانصرافهم، كما جرت العادة، خصوصاً استقبالاتهم على صدر نشرات أخبار السهرات التلفزيونية الرسمية المملّة، احتفاءً بهذا الحراك الدبلوماسي السنوي، الذي يسبق موعد انعقاد الاجتماع الاعتيادي المقرّر للهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، الأمر الذي لمت عليه نفسي لنسيانه بعض الشيء، وأنّبتها قليلاً لوهلة قصيرة، سيما وأن متابعة الأخبار بمثابة خبز يومي للمشتغلين، مثلي، بشؤون الصحافة وشجونها.
وما كان لي أن أتجاهل البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري العربي، من دون التفاتٍ إلى مضمونه، أو الإلمام بالمسائل التي عرّج عليها المجلس الوزاري هذا، الأمر الذي حدا بي لقراءة النص من باب الفضول وأخذ العلم، لا من باب الاستزادة والتبحّر في المعرفة، فوجدت نفسي أمام بيان طويل، بل طويل للغاية، منصبٍّ، في مجمله، على قضية فلسطين (قضية العرب الأولى كما تذكرون)، وهذا حسنٌ في حد ذاته، لولا أن البيان المفصّل "الشامل"، الذي صاغه على ما يبدو موظفٌ كبير في وزارة الخارجية الفلسطينية، حشد فيه كل ما يودّ القوم حشده من مواضيع ومطالب تشغل صلب اهتماماتهم الملحّة في هذه الآونة الحرجة، بهدف الحصول على أوسع دعم عربي رسمي، يسند الموقف الفلسطيني قبيل التوجه إلى نيويورك لعرض مطالبهم أمام الأمم المتحدة، بما في ذلك طلب الحصول على عضوية دولة كاملة العضوية في المنتظم الدولي، بدلاً من عضوية الدولة المراقبة حالياً.
غير أنني، وأنا المتابع عن كثب لأدق تفاصيل الموضوع الفلسطيني، وجدت نفسي غير قادر على متابعة قراءة البيان بجدّية، أو الإحاطة بكل محتوياته، فرحت أمرّ على بقية فقراته بسرعة، وبصورة انتقائية، إلى أن مللت من المواصلة هكذا، ليس بفعل طول النص فقط، أو قلة الوقت المتاح للتنقل بين عناوين الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية الكثيرة، وإنما أيضاً جرّاء الهذر الشديد والكلام الفارغ، أو قل "اللتّ والعجن" الشديد، الصادر نظرياً على لسان اجتماع وزراء الخارجية العرب (لا ندري من حضر منهم ومن غاب) الذين أعتقد جازماً أن أحداً منهم لم يراجع هذا البيان أو يعترض على كلمة واحدة فيه، بمن فيهم وزراء الدول المطبّعة، طالما أنهم يُصدرون شيكاً بلا رصيد، وفي تقاليدهم ليس على الكلام جمرك، كما أنه لا يُلزم أصحابه بمواقف سياسية تُرتب على عواصمهم أي مسؤوليةٍ تجاه قضيةٍ أسقطوها بالفعل من حساباتهم القومية (هل قلنا حساباتهم القومية؟).
والحق، إذ لولا ذلك الموقع الإخباري قليل المشاهدة وضعيف المصداقية، الذي أمر عليه آخر النهار للإطلالة على ترّهاته، لما تيسّر لي العلم ببيان الاجتماع الوزاري، ولا حتى المعرفة بمجرد انعقاده، الذي أماط اللثام عن وقوعه خبران صغيران جريا على هامش عقده. الأول، اعتراض إحدى الحكومتين المتصارعتين على السلطة والشرعية في ليبيا على ترؤس إحداهما هذا الاجتماع، كون البلد الممزّق هو الرئيس الدوري لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية هذه المرّة. الثاني انسحاب وزير الخارجية المصري من الجلسة الافتتاحية، وحده، اعتراضاً على رئاسة حكومة طرابلس هذه الدورة. وقد حظي هذان الخبران بتغطية إعلامية فاقت واقعة انعقاد المجلس ذاته، وذكّرت المتابعين القلائل بأن اجتماعاً وزارياً جرى في مقر جامعة الدول العربية.
على أي حال، وبعد انقضاء أكثر من أسبوع على صدوره، لا يحسن استرجاع أيٍّ من فقرات هذا البيان الذي أوصي بعدم صرف الوقت الثمين للاطلاع على حيثياته، الغاصّة بالتكاذب والمجانية، والمراوغات الكلامية، المعبّرة عن حالة انفصال مديدة بين الأقوال والأفعال لدى العرب، سيما وأن الاجتماع الوزاري والبيان الختامي سقطا من التداول على الفور، وأصبحا نسياً منسياً، حيث لم يحظيا بأي تعليقٍ من الكتاب، ولم يجدا لهما متّسعاً على شاشات التلفزيون، الأمر الذي يبرّر لنا وضع العنوان أعلاه أمام المتلقي المحتمل، بالقول "لا تحفل بسردية نص هذا البيان يا أخا العرب"، ولا تشغل البال بما لا يقدّم أو يؤخّر في واقع حالٍ بات من المحال.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي