كرة قدم أم جريمة ضد الإنسانية؟
ماذا قرأ اللاعب محمد صلاح في عيون جزار مدريد، اللاعب سيرغيو راموس، وهو يسحله سحلاً، بعد أن طرحه أرضاً، ولم يتركه إلا بعد أن خلع كتفه، في مشهدٍ أقرب لعملية اغتيال، تسمى مباراة كرة قدم؟.
أغلب الظن أن صلاح رأى عيني راموس مثل زجاجتين معبأتين بصنف نادر من الغل المعتق مدة 35 عاماً، هي الفترة التي تفصلنا عن واقعة محاولة اغتيال اللاعب المنطلق بسرعة الصاروخ في ذلك الوقت، الأرجنتيني مارادونا، على يد جزار بلباو، الإسباني غويكوتشيا في سبتمبر/ أيلول عام 1983، حين انقضّ بكل ما لديه من ذخيرة حقد وكراهية على كاحل اللاعب الأرجنتيني، مطفئاً أنوار تألقه، ليتوقف عن ممارسة كرة القدم، ولم يعد لها إلا بعد ثلاثة أشهر، ظن العالم وقتها أن علاقة مارادونا باللعبة انتهت.
غير أن ما تعتق في عيون لاعب مدريد كان نوعاً مختلفاً من الغل والكراهية، إذ لم تكن الجريمة بقصد إيقاف خطورة لاعبٍ في مباراة مهمة، وإنما يشي حجم الشراسة في التنفيذ بأن القصد ربما كان إنهاء مسيرة لاعب عربي غزا أوروبا فأذهلها، ومنح لعبة القدم بعداً إنسانياً وثقافياً، يمقته الأوغاد في كل العصور.
كانت اللقطة أشبه بمحاولة اغتيال، على الهوية، تجمعت فيها كل نوازع الغل العنصري، بما بدا معه وكأن الفوز بكأس أبطال أوروبا عند الإسباني الأندلسي راموس يأتي أولوية تالية، لإنهاء أسطورة صعود صلاح، إذ كان الإسباني محتشداً برغباتٍ هائلةٍ في الإيذاء، جعلتنا نشعر لحظة بأننا بصدد جريمة ضد الإنسانية، ومن ثم من العبث البحث عن تفسيراتٍ لها في قاموس لعبة كرة القدم، إذ تحيلك مباشرة إلى حكايات صراع الحضارات وصدام الثقافات، وممارسات اليمين العنصري المتطرّف ضد الأجانب والملونين في القارة العجوز.
لم يكن الاعتداء على صلاح مؤلماً، فقط، لكنه كان مهيناً أيضاً، وبشكل أكبر، حيث استشعر كل محبٍّ للاعب، وفخور بإنجازه الخارق لقوانين مافيا اللعبة الشعبية الأولى في العالم، أن الاعتداء وقع عليه شخصياً، وأن الرسالة هي ذاتها التي تلقاها كل عربي مع عمليات اغتيال العلماء العرب، منذ سميرة موسى ويحيى المشد، عالمي الطاقة الذرية، وحتى مهندس الصواريخ العبقري، الفلسطيني، فادي البطش، في ماليزيا أخيرا، ومفادها: ليس مسموحاً لكم بالتطور والتقدم والنبوغ، إلا بالحد الذي يسمح به السيد الشمالي الأبيض.
وقعت عملية الاعتداء على محمد صلاح بالتزامن مع عدوان صهيوني مكثف بالصواريخ على قطاع غزة، ليضعك التاريخ بدهائه أمام مفارقةٍ مدهشة: عرب فرحوا لإصابة صلاح الخطيرة، وتطوعوا للدفاع عن سلوك مجرم الملاعب الإسباني، وهللوا للانتصار القذر الذي حققه الفريق المنافس، هم أنفسهم العرب الذين يبتهجون كلما اعتدى الكيان الصهيوني على المقاومة الفلسطينية في غزة، ويهاجمون مسيرات العودة، ويسكتون عن تهويد القدس، ويبرّرون لإسرائيل جرائمها، ويتلذذون بالانسحاق أمام الغطرسة العنصرية الصهيونية، ويصفقون للسيد دونالد ترامب، ويتسوّلون رضا ابنته إيفانكا.
الذين تمنوا إصابة محمد صلاح، وحلموا بها، واحتفلوا بحدوثها، كي تصفو لهم أجواء سياحة مونديال روسيا هم أنفسهم الذين يتمنون اختفاء المقاومة الفلسطينية، وتركيع غزّة، كي ينفتح لهم الطريق للتطبيع، ولا يعيقهم شيء عن الذهاب إلى القدس المحتلة، كي يستمتعوا بجولاتٍ سياحية، وعلاقاتٍ سياسيةٍ مع العدو.
وفي الحالتين، محاولة اغتيال صلاح كروياً، والعدوان على غزة عسكرياً، واغتصاب القدس، حضارياً، يضبط ضمير العالم متلبساً بالتواطؤ، وتوفير الحماية للمعتدي، ذلك أن حكم مباراة ليفربول وريال مدريد لم ير في افتراس اللاعب العربي أي خطأ يستوجب العقوبة، بل إنه لم يكلف نفسه عناء مراجعة مساعديه، كما يجري في حالاتٍ أقلّ خطورةً وأهميةً، تماماً كما تصم الأمم المتحدة أذنيها، ويغلق مجلس الأمن عينيه، أمام التوحش الصهيوني على الفلسطينيين.