كرامة زوجته
يبدو أن عليك أن تبتعد قليلا عن أخبار العالم المشتعلة سياسيا واقتصاديا حولك هذه الأيام، ومن باب التغيير، فتبدأ بإرهاف سمعك لتفاصيل (وتداعيات) حادثة صفع ممثل مقدّم برامج بسبب تنمّر الأخير على زوجة الأول على الهواء مباشرة. والتنمّر جاء بسخرية المذيع والممثل الكوميدي كريس روك من الشعر الحليق لزوجة الممثل الأميركي ويل سميث. ويبدو أن عليك أيضا أن تستحضر واقعةً ليست بعيدة لصمت الممثل نفسه عند اعتراف الزوجة على الهواء مباشرة بأنها قد خانته مع مغنٍّ شاب، بل وقبوله هذا. وهنا نستذكر اتفاقا طريفا في فيلم كوميدي قديم بين زوجين شابين حديثي الزواج، عُرف عن الزوج تعدّد علاقاته العاطفية قبل الزواج، فتتفق معه الزوجة على أنه في حال كشفها خيانته بعد إبرام عقد الزواج المقدّس فسوف تخونه في المقابل. وفي أحداث كوميدية لافتة، أتقن صياغتها الروائي إحسان عبد القدوس، أوحت الزوجة التي أدّت دورها شادية بأنها تخون زوجها، وهي في الحقيقة كانت تضعه في قالب الغيرة والشعور بجرح الكرامة الذي وضعها فيه، بسبب استمراره بملاحقة النساء بعد الزواج. وفي الغالب، هناك اتفاق لا يستبعد بين الزوجين، جادا وسميث، حول مساحة الحرية الشخصية في حياتهما الزوجية، بحيث إنه لم يُبد رد فعل ثائرا أمام اعترافها، ولكنه لم يتقبل السخرية من رأسها الحليق في حفل أوسكار، فشتم روك وصفعه أمام ملايين المشاهدين في العالم.
بغض النظر عن قصة اعتراف الزوجة بخيانتها لزوجها، فقد أثلجت الصفعة صدري، وتذكّرت المثل المتداول بين الزوجات العربيات منذ القدم، أن من يقول لزوجته "يا عورة فالناس تلعب بها الكورة"، ومن يقول لها "يا هانم فالناس تنتظرها على السلالم". يدلّ التشبيه الأول على تقليل الناس من مكانة الزوجة، في حال عدم احترام الزوج لها، أو تقبل سخرية الآخرين وإهانتهم لها أمامه. أما التشبيه الثاني فيعني أنها سوف تحيا بكرامة، ولا يستطيع أحد أن يدوس على طرف ثوبها، لأن زوجها يحفظ كرامتها بينه وبينها وأمام الناس. وهنا علينا أن نجيب على سؤالٍ طالما سألته الزوجات: أيهما أهم في العلاقات الزوجية، الكرامة أم الحب؟ بمعنى كرامة الزوجة التي يحفظها الزوج أهم من انخفاض وتيرة حبّه، طالما أنه لا يحتمل أن يمسّها أحد من بعيد أو قريب، وهل حفاظ الزوج على كرامة زوجته أمام الناس يدلّ على رجولته وشهامته؟ وهذا هو الشعور أو الموقف الملموس الذي سوف تحسُدها عليه النساء الأخريات، والمتوقع أنه قد حدث، حين ثار ويل سميث على السخرية من شعر زوجته نتيجة إصابتها بالثعلبة. وقد بدا ويل سميث في عيون كل النساء الزوج المخلص المحب الغيور على زوجته، مهما كانت أخطاؤها.
لو اتهمنا ويل سميث بازدواجية المواقف، فسوف ندخل في دائرةٍ ليست لها نهاية، حول موقف الزوج من خيانة الزوجة. ولا تخفى قصص قليلة عن السلف الصالحين من المسلمين عن أزواج ستروا خيانة زوجاتهم. ولكن عصبية الممثل أعجبت بعضهم، وخصوصا النساء، وإن كانت العصبية من صفاته فهذا يبرّر الصفعة بعد الشتم اللفظي، ولا يزال جمهور سميث يذكر صفعة سابقة له، حين حاول صحافي، يقال إنه مثليّ، تقبيله فوق فمه قبل عشرة أعوام.
وفي النهاية، قد تكون هناك اتفاقات مسبقة بين مقدّمي البرامج التي تذاع على الهواء مباشرة والضيوف، تهدف إلى ترويج هذه البرامج، كما أشاع بعض المغرّدين، خصوصا أن حفلات أوسكار قد فقدت متابعيها، ولم تعد كما السابق. ومن الممكن أن تكون مثل هذه الحفلات والبرامج المباشرة فرصةً لتصفية حسابات سابقة، حيث أشيع أن لروك موقفا من جادا في عام 2016، حين أعلنت مقاطعتها حفل أوسكار، متهمة الأكاديمية بتجاهل الأقليات، وكان روك يقدّم الحفل، وقال في كلمته "لا يمكنك مقاطعة حدثٍ لم تتم دعوتك إليه أصلا".