كارثة إنسانية أم اجتماعية؟
في مشكلة خاصة بك، وفي حالة عامة، لا تدري لماذا يُصدر الناس أحكامهم، ويضعون تشريعاتهم ويكيلون بمكيالين، وينظرون إلى الأمور من زوايا مختلفة، ولكنها ليست حيادية ولا عادلة، فهم دائماً ما يكيلون الاتهامات للضحية، وينصّبون أنفسهم قضاة وحكّاماً ويمسكون بأيديهم السياط ليجلدوا بها الأبرياء، لا لشيءٍ إلا أنهم لا يستطيعون أن يلوذوا بالصمت، أو يستخلصوا العبر، ويتأملوا في مصائب غيرهم، ويحمدوا الربّ على ما هم فيه من نعمة.
عصفت بي مشكلة خاصة بابنتي، ولا أتردّد في أن أتحدّث عنها، وعن أنها قد مرّت بسلام، واعتبرتها تجربة، ولست أعجبُ إلا ممن يروْن القرار الصائب فاجعة أو مصيبة. أما أن تمشي معصوب العينين إلى مصيرك المهلك فهو التسليم بالقدر والنصيب، وهم يصفقون لك على جانبي الطريق أن تحتمل، حتى وأنفاسك تتقطّع وروحك تنزف، ولا يطلبون منك التراجع، ويتربصون بك بألسنتهم المتدلّية نحوك، وكأنه ليس من حقك أن تخطئ، أو تسيء الاختيار وتتراجع، فتلك جريمةٌ ترتكبها أنت، وسوف تدفع ثمنها من سعادتك ومستقبلك مستقبلاً.
في التشريع القرآني نصوص واضحة لقضايا الزواج والطلاق، ولو أن هذا التشريع لم يمنح كلا الطرفين، أي المرأة والرجل، الفرصة للتراجع، قبل أن يصبحا تحت سقفٍ واحدٍ لما جاء تحديد حقّ المرأة بحصولها على نصف المهر المكتوب المعجّل والموثّق في وثيقة الزواج، في حال حصول الفراق بينها وبين الرجل قبل الدخول بها. ويمكن لها أن تتنازل عن هذا الحق، في حال كانت ترغب في الخلاص قبل أن تصبح في بيته وتتورّط في طفلٍ مثلاً في أحشائها، وهذا ما يُطلق عليه قانون الخلع. ولأن التشريع القرآني قد أباح للمرأة أن تتراجَع، ولا تمضي معصوبة العينين، فقد أباح ذلك للرجل أيضاً، وقد خصّصت فترة الخطوبة، وكما تعارفنا منذ زمن، لكي يقترب الطرفان والعائلتان من بعضهما. ودائماً ما يكون القرب فاضحاً وكاشفاً، وليس من العيب ولا العار اتخاذ قرار التراجع، ولكن العيب والعار هو قانون المجتمع الجائر والظالم، والذي ينصّب نفسه، كما أسلفت، قاضياً وجلاداً، وخصوصاً للمرأة، الحلقة التي يُنظر إليها دائماً على أنها الأضعف في المجتمع، إلى درجة أنه لا يحقّ لها أن تتراجع، بل عليها أن تمضي معصوبة العينين نحو الهاوية، خوفاً من كلمة "مطلقة". والأكثر رعباً أن يقع الطلاق قبل الدخول، رغم أن القوانين الوضعية وقفت بجوار المرأة وأنصفتها، ولم تعد تحمل في أوراقها الرسمية هذا اللقب البغيض، في حال حصل فسخ لعقد الزواج، قبل أن تصبح تحت سقفٍ واحد مع الطرف الآخر.
بكل ما تحمل من نقمة على هذا المجتمع، تصرخ بأعلى صوتك واقفاً في شرفتك، متأملاً سماء الرب، وماضياً ببصرك قصير المدى إلى أبعد نقطة، متأمّلاً حال ضحايا الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية مثالاً على ظلم الناس للناس، وكيْلهم بمكيالين إزاء المصائب والكوارث، وتقارن مصيبتك بمصيبة شعب، وتكتشف أن الناس لا يتغيّرون، ويطلقون أحكامهم على القضايا الصغيرة والكبيرة، ثم يمضون إلى شؤونهم ويتركون المحكوم عليهم يتألمون ويعانون.
عليك أن تشكر الظروف، لأنها كشفت لك كذب معادن الناس من حولك، وتشكر الزلزال الذي أزال غشاوة مزيفة عن البشرية عموماً، والتي تعاملت بازدواجية أمام مأساة الشعب السوري، ولم تتحرّك الاستجابات الإنسانية نحوه، مثلما تحرّكت نحو المتضرّرين في تركيا، وحيث توجهت أكثر من 70 دولة لتقديم المعونات إليهم، وسط أصوات ناشزة تتحدّث عن عقاب الرب لهذا الشعب البائس، وحيث إن معظم ضحايا الزلزال الذي أصاب شمال غرب سورية من الفقراء والبسطاء، والذين لا ناقة لهم ولا بعير في كل ما يدور، ومنذ سنين في بلادهم، بفعل النظام المستبدّ وحلفائه.
وأخيراً، وأنت تنجو من ساقية الخوف من القيل والقال، ونظرة المجتمع، وقد اتخذت قراراً صائباً لابنتك، تكتشف أن العالم أجمع يعاني من كارثة اجتماعية أولاً وأخيراً.