قمة المناخ وأولويات السياسة المصرية
تنعقد قمة المناخ "كوب 27 " في شرم الشيخ في الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني)، وهي الفعالية التي تراهن الإدارة المصرية عليها كثيراً في تحسين صورتها الدولية، وجلب مزيد من التأييد السياسي والاقتصادي، سواء بمزيد من القروض الدولية بشكل عام، وفي مجال التغير المناخي بشكل خاص، أو بتقوية علاقاتها بكثير من زعماء الدول الكبرى، خصوصا في ظل سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان. ويمكن القول إن هذه القمة إحدى وسائل العلاقات العامة التي تلجأ إليها الحكومة المصرية في علاقاتها الثنائية والدولية، لتأكيد صورة إيجابية عنها في وسائل الإعلام الإقليمية والدولية المختلفة، وتكمل تلك الصورة المستهدفة إجراءات أخرى بالداخل بإطلاق (الحوار الوطني) الذي لم يتجاوز خطواته الأولى بعد، أو بإصدار ما تسمّى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. وكلها خطواتٌ محدودةٌ وجزئية، لا تؤثّر في نهج الدولة المصرية، طالما لم يمتدّ ذلك إلى تغيير البنيان التشريعي والسياسي الحالي باتجاه الفصل بين السلطات، ودعم دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني وإتاحة حرية الرأي والتعبير.
ويطرح عقد المؤتمر تساؤلات أساسية أهمها: ـ مدى تأثير أوضاع النظام الدولي الحالي والمواجهة بين التحالف الأميركي الأوروبي ضد روسيا، في ظل حربها على أوكرانيا، على أجندة المؤتمر، واهتمام دول كثيرة في الغرب بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة في الداخل بفعل أزمة الطاقة وارتفاع أسعار البترول، وتأثير ذلك على الحالة المعيشية لملايين المواطنين واحتجاجاتهم المتزايدة. فهل يؤثر ذلك على حجم المشاركة الدولية واهتمامها في تلك القمة؟ هذا سؤال مهم، كما أن هناك مخاوف بتحول القمة إلى مواجهة سياسية بين الجانبين في حال مشاركة روسيا.
ـ ليس التوجّه من الدولة المصرية إلى استضافة مؤتمرات دولية جديدا، فقد حرصت على استضافة مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية لمناهضة الفساد عام 2021، وكان هذا بمعزل عن وضع سياسات حقيقية لمواجهة جرائم الفساد الرسمي والوظيفي في الدولة، سواء بمزيد من التشريعات، واحترام حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات واحترام استقلال أجهزة مراقبة الفساد.
يتطلّب عقد القمة مشاركة من المجتمع في التوعية بقضايا المناخ والتلوث وتقييم الأثر البيئي للمشروعات المختلفة
ـ ويتعلق ذلك بمدى وجود رؤية رسمية حقيقية لدى الدولة بالتغير المناخي وارتفاع درجة الحرارة، وما قد يؤدي إليه ذلك من كوارث طبيعية مختلفة، والسبل المتوقعة لمنع الأضرار المحتملة بالتعاون مع المنظمات الدولية والدول الكبرى، أم أن القمّة لا تتجاوز كونها مناسبةً لطلب ضخّ أموال في مشروعات يمكن طرحها للحصول على مزيد من القروض؟
وتعقد القمة في شرم الشيخ في ظل هيمنة كاملة لأجهزة الدولة في تنظيم الفعاليات المختلفة من دون إسهامات حقيقية من الفواعل المحلية، سواء المبادرات المستقلة ومنظمات المجتمع المدني، بعكس المؤتمر الدولي للسكان الذي عقد في القاهرة في تسعينيات القرن العشرينن وشاركت فيه منظمات عديدة لحقوق الإنسان وجمعيات أهلية مختلفة.
ـ يتطلّب عقد القمة أيضاً مشاركة من المجتمع في التوعية بقضايا المناخ والتلوث وتقييم الأثر البيئي للمشروعات المختلفة، لمعرفة مدى تأثيرها على التغير المناخي، سواء بوجود مصانع لا تحترم اشتراطاتها البيئية، أو دور بعض المنشآت المقامة على النيل في تلويث مياهه.
يواجه عقد قمة المناخ في شرم الشيخ انتقادات كبيرة على المستوى المحلي المصري، بسبب ما يعتبره بعضهم إهداراً مالياً
ـ وتعقد القمّة بمعزل عن الرأي العام المحلي، وتغييب وجهات نظر الأحزاب المعارضة، ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة التي تجرى مطاردتها وتهميشها وتجاهل مشاركاتها في فعاليات القمة رغم تقديم طلبات مسبقة، ومشاركة منظمات أخرى ترعاها وزارة البيئة والتضامن الاجتماعي. وهو ما يؤدّي إلى غياب المبادرات المجتمعية ذات الصلة بمجال التغير المناخي، في ظل ندرة الوعي أصلاً بهذا المفهوم من مواطنين كثيرين. ويؤكد ذلك أنه ليس هناك من جدول أعمال لمواجهة هذه الظاهرة لدى الدولة، رغم تحذيرات كثيرة بتأثير التغير المناخي على غرق عدة مدن مصرية تطل على البحر المتوسط، فضلا عن تأثيرات سد النهضة في نقص كميات مياه النيل الواردة إلى مصر، وتسبب ذلك بحدوث تأثيرات سلبية بفعل التغيرات المناخية، وهو ما حدث في العراق مثلا، بسبب محدودية المياه الواصلة إلى نهري دجلة والقرات.
ـ كما يواجه عقد القمة انتقادات كبيرة على المستوى المحلي، بسبب ما يعتبره بعضهم إهداراً مالياً، خصوصاً في ظلّ الأزمة التي تواجهها الدولة بسبب سياسات الاقتراض وصرف أموال على مشروعات غير منتجة، مثل العاصمة الإدارية ومئات الكباري (الجسور) والمحاور المرورية. ويعتقد جزء كبير من الرأي العام أن صرف ميزانية المؤتمر على خدمات التعليم والصحة ودعم الصناعات ومساعدة الفقراء أجدى من صرفها في مجالاتٍ بقصد تلميع الدولة وقياداتها السياسية.
يؤكّد هذا الاحساس فقدان الإدارة المصرية الحد الأدنى من الاهتمام بالبيئة وقضايا المناخ، وهو ما يتبدّى في سلوكها بقطع آلاف الأشجار المزروعة منذ عقود بحجّة تطوير الطرق، وإزالة عشرات الحدائق العامة التي تعدّ المتنفس العام للمواطنين بغرض بيع أراضيها، الإضافة إلى غياب الاهتمام بوضع حلول للتلوث البيئي. وتغيير طبيعة مجتمعات محلية كثيرة تسكن في الجزر النيلية، ومحافظة سيناء بإجراءات قسرية تنتهك حقهم الطبيعي في السكن الآمن.
ليس مستبعداً أن تسمح الأجهزة بتعبئة مؤيدين لها في هذه التجمعات، ومنع نشطاء حقوق الإنسان في الداخل من الوجود من الأساس في شرم الشيخ
كما يأتي عقد القمة بالتوازي مع دعوات مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي بالتظاهر يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني من معارضة الخارج، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وتزايد السخط الشعبي بفعل السياسات الحالية، بغرض كشفها أمام المشاركين في القمّة. ولن يكون أمام النظام وقتها إلّا أحد اختيارين، السماح ببعض هذه التظاهرات المحدودة وسط فرض سيطرة أمنية، ليظهر احترام الحريات أمام المجتمع الدولي. والثاني قمع أيّ تحرّكات احتجاجية، حتى ولو كانت محدودة، والقبض على آلاف الشباب، كما فعل في احتجاجات سبتمبر 2019 و2020، وهو ما سوف يؤكّد انتهاك حقوق الإنسان والحق في التجمع السلمي. وهو ما كان سبباً في انتقادات متعدّدة من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتش ووتش بعدم السماح للمجتمع المدني المحلي والدولي بتنظيم تظاهرات في مكان انعقاد قمة المناخ، وهو الأمر المعمول به في كلّ الفعاليات الدولية. وقد جرى الرد عليه من الخارجية المصرية وقتها بتخصيص مكان بالقرب من القمة للسماح بالتظاهر، ويبدو أنّ هذا المكان سيكون مغلقاً، وبعيداً عن فعاليات المؤتمر لمجرّد التجاوب مع الضغوط الدولية في هذا الشأن، وليس مستبعداً أن تسمح الأجهزة بتعبئة مؤيدين لها في هذه التجمعات، ومنع نشطاء حقوق الإنسان في الداخل من الوجود من الأساس في شرم الشيخ.
في المجمل، لن يكون عقد قمّة المناخ إلّا مسعى من الإدارة المصرية لتجميل نفسها وسط المجتمع الدولي، خصوصاً في غياب المصداقية بالاهتمام بقضايا المناخ وعزلة المجتمع المحلي عن مناقشة هذه القضايا، كما في قضايا أخرى كثيرة. وقد ينتهي الأمر باليوم الأخير من فعاليات تلك القمة من دون تغيير أوضاع كثيرة في الداخل، إلّا إذا نجحت رهانات بعضهم على مشاركة واسعة في الاحتجاجات المقرّر عقدها في التوقيت نفسه.