قراءة في حوار خطير

25 سبتمبر 2023

محمد بن سلمان مع مذيع فوكس نيوز (حساب غير رسمي على منصة إكس يحمل اسم ولي العهد)

+ الخط -

أهم ما في حوار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع شبكة فوكس نيوز الأميركية، أنه كشف أشياء كثيرة، بعضها حقائق لم تكن ظاهرة وسط زحام الأحداث في الشرق الأوسط. وأزاح الستار عن رؤى السعودية وتقديراتها لملفّات مهمة وقضايا حسّاسة تتلامس مباشرة مع أمن المنطقة واستقرارها. من أهم تلك القضايا والملفّات ملفّ إيران الذي يضم بين طيّاته صفحات مهمة ومتشابكة، منها القدرات النووية الإيرانية وانعكاساتها على أمن الشرق الأوسط واستقراره. وكذلك علاقات الرياض وطهران التي بدت في الحوار جزءاً مهماً في تصوّر بن سلمان للبيئة الإقليمية ومنظومة العلاقات الخارجية السعودية في المستقبل القريب.
تبنّى ولي العهد السعودي تجاه إيران موقفاً ذا وجهين، أولهما الحرص على علاقات ثنائية تعاونية قائمة على حسن الجوار وتطوير التقدم الحاصل بين البلدين وإدامته. والثاني ألا تخترق قدرات إيران حاجز التوازن الإقليمي بين دول المنطقة. وهنا كانت المفاجأة بالتصريح علناً بأنه في حال امتلكت طهران قنبلة نووية، فستسعى السعودية أيضاً إلى ذلك. ولهذا التصريح الخطير أكثر من قراءة، فهو، من ناحية، أشبه بالتحذير من امتلاك إيران قدراتٍ نوويةً غير سلمية. والتحذير هنا ليس موجّهاً إلى إيران حصراً، وإنما بالأساس إلى المجتمع الدولي، وبصفة خاصة القوى الكبرى التي أعلنت مراراً وتكراراً التزامها بألا تمتلك طهران أسلحة نووية، أي واشنطن تحديداً.
من ناحية أخرى، واضحٌ أن وراء تصريح بن سلمان إدراكاً أو توقعاً سعودياً بأن إيران ماضية في برنامجها النووي، بما يتيح تطويره لأغراض عسكرية. الأمر الذي يعني أن الرياض لا تعوّل على المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن لتجديد الاتفاق النووي، وتنظُر إلى ما بعد المسار التفاوضي، تعثّر ولم ينته إلى اتفاق، أو اكتمل باتفاقٍ أياً كان مضمونه، إذ لا تنتظر السعودية منه الكثير.
ثاني الملفات الخطيرة والشائكة في حوار بن سلمان مع "فوكس نيوز" العلاقة مع إسرائيل، فقد أقدم على إعلان غير مسبوق، ليس فقط عن إمكانية إقامة علاقات مع إسرائيل، بل أيضاً أنها باتت قريبة. ورغم محاولته ربط تلك الخطوة بمسار القضية الفلسطينية وتأكيد استمرار الثوابت التقليدية في الموقف السعودي الرسمي، إلا أن مضمون كلامه كان واضحاً ومحدّداً في تأكيد أن تدشين علاقات رسمية مع تل أبيب صار وشيكاً، بينما حديثه عن التطوّر المشروط به ذلك، أي التقدّم الموازي على المسار الفلسطيني، فجاء عاماً من دون أي تحديد ولا ملامح واضحة، لا موضوعياً ولا زمنياً، ولا حتى بقواعد مبدئية يحتكم إليها. وإنما اقتصر على إشارة إلى "مصالح الفلسطينيين" و"تحسين أوضاعهم"، ولا إشارة إلى استعادة الأرض أو عودة اللاجئين أو حتى التمسّك بمبدأ حلّ الدولتين، فضلاً عن القرارات الدولية، بل تجاهل حديث ابن سلمان "المبادرة العربية" التي صدرت عام 2002، وكان أساسها بادرة سعودية أعلنها ولي العهد السعودي وقتئذ عبد الله بن عبد العزيز. 
تطرق ولي العهد السعودي إلى قضايا أخرى كثيرة، لكن هذين الملفين هما الأخطر والأهم. ورغم عدم الارتباط بينهما ظاهرياً، إلا أن لهجة بن سلمان الحازمة بشأن النووي الإيراني تدفع إلى التساؤل عما تستند إليه الرياض من مصادر قوة أو دعم في احتمالية اتّجاهها إلى امتلاك سلاح نووي. وإذ لم يتضمّن الحديث عن العلاقة مع إسرائيل أي إشارة إلى المقابل أو الفوائد التي ستحصدها المملكة، فهل يكون المقابل دعم تل أبيب للرياض عسكرياً في مواجهة إيران؟ وهل يمكن أن تقف إسرائيل إلى جانب برنامج نووي سعودي لمواجهة إيران النووية؟

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.