في مستقبل التقارب المصري التركي

09 ابريل 2021
+ الخط -

شهدت العلاقات المصرية التركية، أخيرا، تحولًا ملحوظًا، تمثل بتقارب ظاهر، يعود إلى أمرين: أولهما التنسيق المصري التركي فيما يخص الملف الليبي، وهو الأمر الذي سمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، والتخفيف من حدّة الصراعات الدائرة منذ أعوام بين حكومة الوفاق في طرابلس وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وثانيهما احترام القاهرة ترسيم الحدود التركية في منطقة الغاز في شرق المتوسط، بعد توقيع إسرائيل واليونان وقبرص اتفاقية لمدّ خطوط الغاز إلى أوروبا مع استثناء مصر منها. وقد أسهم هذان التطوران في حدوث تقارب ملحوظ بين أنقرة والقاهرة؛ وجاء هذا التقارب تزامنا مع عودة العلاقات القطرية المصرية.

وقد ظهر هذا التحول في عدة أمور، في مقدمتها طلب الحكومة التركية ضبط لغة النقد ضد النظام المصري في قنوات المعارضة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في تركيا، وتصريحات مسؤولين أتراك، منهم وزير الخارجية التركي، جاووش أوغلو، عن إمكانية التعاون مع مصر، وعقد اتفاقيةٍ لترسيم الحدود البحرية؛ بالإضافة إلى حديث السفير التركي في الدوحة عن إمكانية التعاون الاقتصادي بين البلدين.

السيناريو الأكثر واقعية وجود تقارب محدود بشأن عدد من الملفات، يتبادل فيها الطرفان المنافع، حتى حدوث تغيير جذري في إدارة كلٍ منهما

على الرغم من وجود تلك الإشارات الإيجابية، إلا أن مستقبل العلاقة بين مصر وتركيا ما يزال غير واضحٍ، فليس متوقعا إحداث تغييرٍ جذريٍ سريعٍ في خريطة تحالفات القوى القائمة في المنطقة منذ انقلاب العام 2013، خصوصا وأن هناك اختلافات واَضحة في المصالح بين الإمارات، وهي أحد أعمدة هذا التحالف الحالي، وتركيا بشأن إدارة ملفات عديدة، منها الملفان، السوري والليبي. بالإضافة إلى أن تاريخ التلاسن الإعلامي يجعل مهمة التسويق الشعبي للتصالح تحدّيًا كبيرًا أمام قيادة البلدين. تجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس التركي، أردوغان، قدّمت نفسها حامية للديمقراطية وحقوق الإنسان أمام الانقلاب العسكري في مصر في 2013، كما تم الحشد الشعبي تحت شعار "رابعة" لدعم مظلومية الإخوان المسلمين في تركيا. وفي المقابل، شن الإعلام المصري حربًا شعواء على الحكومة التركية وقيادتها. ومن ثم، سيقتضي أي تحول استراتيجي إيجاد مبرّرات واقعية واضحة قابلة للحشد والتسويق.

 من غير المتوقع حدوث تحالف كامل بين تركيا ومصر، من دون تغيير لخريطة التحالفات السياسية في المنطقة، وهو ما لا يمكن تحقيقه

السيناريو الأكثر واقعية وجود تقارب محدود بشأن عدد من الملفات، يتبادل فيها الطرفان المنافع، حتى حدوث تغيير جذري في إدارة كلٍ منهما، وهو ما قد يحدث بتغيير القيادة التركية في الانتخابات المقبلة، أو حدوث تغيير في رأس السلطة المصرية لأسباب غير متوقعة. وقد يقتضي ذلك التصالح حدوث تعاون اقتصادي غير معلن، ضم تركيا إلى اتفاقية ترسيم الحدود مع مصر، وتقارب سياسي وعسكري داخل ليبيا، في مقابل تنسيق مخابراتي فيما يخص ملف المعارضة المصرية في تركيا. وقد أشارت، أخيرا، تصريحات لنائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين، إبراهيم منير، إلى إمكانية عقد مفاوضات بين المعارضة المصرية في الخارج ونظام عبد الفتاح السيسي برعاية تركية. وهو الأمر الذي لا يتصوّر حدوثه، إلا مع تعرّض النظام المصري لمزيد من الضغوط الأميركية بشأن ملف حقوق الإنسان والديمقراطية؛ وتقديم إدارة أردوغان تنازلات لتحقيق تقارب سياسي مع عدد من دول الجوار، في مقدمتها مصر وإسرائيل في ظل إدارة بايدن.

في الختام، تُظهر التقاربات الظاهرة أخيرا صعوبة عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة إلى مرحلة الصدام اللاحقة لانقلاب 2013، نظرًا إلى مساحات المصالح المتداخلة، ووجود تحولات إقليمية ودولية، متمثلة في ملف المصالحة الخليجية وإدارة الرئيس بايدن في الولايات المتحدة. كذلك، من غير المتوقع حدوث تحالف كامل بين البلدين، من دون تغيير لخريطة التحالفات السياسية في المنطقة، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل التقارب الخليجي الإسرائيلي، وتوغل النفوذ الإيراني في المنطقة. كما أن حدوث تغيير كبير أو تحول في الرؤية السياسية لقيادة البلدين أمرٌ يصعب التنبؤ به في الأمد المنظور.

9F38D411-1467-4147-960E-A90CDC5A89B7
9F38D411-1467-4147-960E-A90CDC5A89B7
ضحى عبد الجواد

باحثة مصرية، مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، ولها اهتمامات بدراسات الإسلام السياسي والحركات الاجتماعية

ضحى عبد الجواد