في مسألة مصطفى البرغوثي

11 يوليو 2024
+ الخط -

ما يطمئن أنّها زوبعة في فنجان، لم تتجاوز هذا الحدّ، وإن كان واضحاً أنّ أطرافاً مُتنفّذة في الساحة الفلسطينية كانت تريدها محرقةً للرجل. فأن يصافح مصطفى البرغوثي وزيرَ الأمن الداخلي في حكومة إيهود باراك شلومو بن عامي، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية الإسرائيلية، أمر قد يُختَلف عليه وبشأنه. ولكن، أن يُخوَّن البرغوثي بسببِه، فذلك ما يُستَنكَر ويُرفَض، خاصّة أنّ تعقيدات الوضع الفلسطيني، وهو ذاهبٌ إلى مزيد من التعقيد وتداخل الملفّات، وربّما إلى تغيير المفاهيم، تُوجِب التدقيق في الظلال وتدرّجات الألوان. والأكثر أهمّية التفهّم والعودة إلى ميزان الذهب للتفريق بين ما هو حقيقي ويهدف إلى المصلحة العليا، وما هو زائف ويصبّ في أجندات بعض دول المنطقة.

وأظن أنّ مسارعة حركة حماس، التي تُشكّل رأس الحِربة في المقاومة الفلسطينية منذ أزيد من عقدَين، إلى نفي بيان نُسب إليها ويندّد بالبرغوثي، تنبئ بحسّ وطني عالٍ، وتقدير استثنائي للرجل الذي كفّ، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023) في الأقلّ، عن أن يُعرَّف بأنه أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية، وتحوَّل إلى ناطق باسم "الكيانية" الفلسطينية في عمومها، خاصّة بعد استقالة السلطة الفلسطينية من دورها، وتحوّلها مراقباً أو متصيّداً ينتظر الفرصة المناسبة لا للدفاع عن شعبها في قطاع غزّة، بل للانقضاض على "حماس" والحلول مكانها، بورقة توتٍ قد توفّرها دول في الإقليم.

يمكن اعتبار مصطفى البرغوثي واحداً من ثلاثة تصدّروا المشهد الإعلامي العالمي دفاعاً عن الرواية والمقاومة الفلسطينية في الشهور التسعة الماضية. الآخران هما وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ورئيس البعثة الفلسطينية لدى بريطانيا حسام زملط. ويتميّز البرغوثي بهدوئه الذي يُغبَط عليه، وحُجَجِه الواثقة، والموثّقة بما يخاطب العقل. وتُذكَر هنا واقعة مقابلته مع المذيعة البريطانية في "Talk TV" جوليا هارتلي بروير، التي دفعها هدوؤه وإصراره على الرواية الفلسطينية إلى أن تفقد أعصابها، وهي كانت أصلاً مُستَفزَّةً ومنحازةً بشكل فجّ، وإلى اتهامه بأنّه لم يتعوّد على أن تتحدّث النساء، ما جعلها تخسر معركتها ضدّ الرجل، الذي كسب تعاطف المُشاهد وعقله أيضاً، إذا لم يكن هذا المُشاهد مُتصهيناً أو مُستلَباً.

رجل هذا شأنه لا نتوقّع أن تدافع عنه السلطة الفلسطينية أو التيّار المتنفّذ فيها، فهو بالنسبة إليها "منافسٌ" مُحتمَل في صراع العروش الصغيرة الذي تتحسّب له. إضافة إلى أنّ دفاعه المُستميت عن مقاومة الغزّيين تعني بالنسبة إلى التيّار المُتنفّذ في السلطة أنّه مُقرّب من "حماس" أو ناطقٌ باسمها. وفي ظنّي أنّ البرغوثي لا هذا ولا ذاك، بل حلقة من سلسلة الفخر والذهب الذي يلتمع بين الصخور، التي قادت وتقود شعبها من دون أن تنتظر كُرسيّاً لتقعد عليه وتحكم، أو جاهاً ومالاً، والرجل لا يحتاجهما.

التقى البرغوثي شلومو بن عامي، واعتَذَر، لا بمعنى أنّه ارتكب خطيئة، بل خطأً، وكان ذلك في ندوة في إيطاليا، قال فيها في العلن ما يقوله على شاشات التلفزة التي تستضيفه. وبن عامي الذي التقاه ليس سياسياً على رأس عمله في إسرائيل، بل هو محاضر جامعي حالياً ومعارضٌ حكومة نتنياهو. وبحكم عمل البرغوثي السياسي واشتباكه مع الإسرائيليين في الداخل والعالم، فإنّ لقاءه مع أيّ منهم طبيعي. وما يُستَنكر أن يغيّر مقولاته، وهو ما لم يفعله، أو أن يلتقيهم في السر للالتفاف على مقاومة شعبه، وهو ما لا ولن يفعله، بل ربّما يسعى إلى فعله من أطلق هجمة التخوين عليه في مواقع التواصل الاجتماعي.

هناك اختزالٌ مُخلّ في النظر إلى القضية الفلسطينية وما تفرّع منها، وثمّة غَلَبة لتسجيل المواقف لدى الجمهور العريض وقطاع مع العاملين في السياسة، ما يُغيّب الجوهري في النضال الفلسطيني ويُسيء إليه، فمن هو في مثل مصداقية مصطفى البرغوثي ووطنيته لا يُساءَل لو التقى نتنياهو نفسه، بل يُسأل، فليس المهمّ هو اللقاء ليُشجَب، بل فحواه لننظر أحقّق مكاسب للفلسطينيين أم لا. ولو التقى إسماعيل هنية غداً مع وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، فإنّ هذا انتصار فلسطيني وليس تطبيعاً. التطبيع أن يخرج علينا هنيّة ويُجرّم المقاومة، وهو ما لن يحدُث، وكونه كذلك، فإنّ مُجرّد اللقاء المُفترض بين هنيّة وغالانت يعني أنّ الأخير اضطُر إليه، وأنه اعترافٌ بالمقاومة ورضوخ لمطالبها. ماذا نريد أكثر؟

زياد بركات
زياد بركات
قاص وروائي وصحفي فلسطيني/ أردني، عمل محررا وكاتبا في الصحافتين، الأردنية والقطرية، وصحفيا ومعدّا للبرامج في قناة الجزيرة.