في ذكرى انطلاقة الثورة السورية
اثنا عشر عاماً مضتْ على ثورتنا المباركة منذ انطلاقتها منتصف آذار/ مارس من العام 2011. اثنا عشر عاماً وشعبنا السوري ما زال يقاسي مرارة التهجير والانتهاكات. اثنا عشر عاماً مضتْ، وما زِلنا نطالب بالحرية والكرامة والعدالة لكل أبناء سورية. اثنا عشر عاماً على الثورة التي بدأت سِلمية، لكن النظام ردّ على المتظاهرين العزّل بلغة السلاح والعنف، واتخذ قراره، منذ اليوم الأول، بوأد كل الأصوات المطالبة بالحرية، فأضحى الشعب السوري بين خيارين، الثبات على مطالبه المحقّة أو تجرع مرارة النزوح واللجوء والتشريد والموت والاعتقال. وكان خِيار الأحرار منذ البداية "الموت ولا المذلّة". لقد واجه هذا النظام السوريين بجميع أصناف الأسلحة المحرّمة دولياً، والصواريخِ البالستية والسلاحِ الكيميائي واستعان بالمليشيات المأجورة. وعندما فشل في وأدِ الثورة، راح يُغذّي الإرهاب ويصنّعه، سعياً إلى تشويه الثورة وإلصاق الإرهابَ بها، لكن الثوار كانوا أول المتصدّين له والمحاربين لقوى الإرهاب والتطرّف.
واليوم، وبعد كلِ ما لاقيناه، بعد قرابة النصف مليون شهيد، وما يزيد على 300 ألف معتقل ومختفٍ قسريا، ودمارٍ طاول أكثر من نصف البنية التحتية لسورية، وتدهور في الأوضاع الاقتصادية، حيث بات ما يزيد على ثلثي الشعب السوري تحت خط الفقر، استطاع شعبُنا، رغم كل هذا الاضطهاد، أن يستمرّ في نضاله ويقدّم نماذجَ مضيئة أبهرت العالم داخل سورية وفي دول اللجوء.
تمرّ علينا الذكرى اليوم، وقد سبقتها كارثة إنسانية فاقت كل التوقعات، فقد اهتزّت قلوب السوريين في شتى أنحاء العالم جرّاء الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطق الشمال السوري، وأودى بحياة آلاف وشرّدهم، وتسبّب بدمار هائل في البنى التحتية المتصدّعة أصلاً، جرّاء استهدافها بقصف النظام سنوات. صحيحٌ أن البيوت اهتزّت، ولكن القلوب ظلت ثابتة، وامتدّت الأكفّ ترفع الأنقاض وتبلسم الجراح، كما هي عادة السوريين دائما.
أضحى الشعب السوري بين خيارين، الثبات على مطالبه المحقّة أو تجرع مرارة النزوح واللجوء والتشريد والموت والاعتقال
لم يتوان إخواننا في إنقاذ الشعب السوري المكلوم، فقد مدّت قطر يد العون منذ اليوم الأول للزلزال، حيث وجه أمير دولة قطر، سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بإنشاء جسر جوي لإغاثة المنكوبين والمتضرّرين جرّاء تلك الكارثة وتقديم عشرة آلاف منزل متنقل ضمن جهود إغاثة المتضرّرين، وغيرها من المساعدات الإنسانية وشحنات الإغاثة والمواد الطبية والبطانيات التي ساهمت في تختفيف معاناة آلاف العائلات التي باتت بلا مأوى. كما وقف أصدقاء سورية الحقيقيون مع مطالبِ شعبها الحر، ورأوا ما يتعرّض له شعبنا من مآس وظُلم، فقدّموا ما استطاعوا من دعم سياسي وإنساني لن ينساه التاريخ.
وبهذه المناسبة، أتقدّم بالشكر لكل من ساند الشعبً السوري في محنته، ودعم مطالبه، وأخصّ بالذكر دولة قطر، أميراً وحكومة وشعباً، على مواقفها الثابتةِ والراسخة تجِاه الشعب السوري، وقضيته المحقّة، ومواقفها الثابتة والرافضة للتطبيع مع النظام في ظل استمرار إجرامه وانتهاكاته بحقّ السوريين، ودعمها اللامحدود في الملف الإنساني، والذي شمل مئات الآلاف من النازحين واللاجئين داخل سورية وخارجها، وساهم في دعم قطاعات التعليم والإيواء والدعم الاجتماعي وسبل العيش، وغيرها من القطاعات الإغاثية والتنموية.
عرف الشعب السوري طريقه وسيستمر حتى تحقيق أهداف ثورته النبيلة
وعلى المستوى الحقوقي، كانت قطر صوت الشعب السوري في مجلس الأمن وفي المحافل الدولية الإقليمية، من خلال تأكيدها على ضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بسورية، ومحاسبة مرتكبي الجرائم. كما أننا مدينون لقطر باعترافها الكامل بالسفارة السورية ممثلاً شرعياً للسوريين، والتي تحلّ علينا ذكرى هذا العام بمرور عشر سنوات على افتتاحها، حيث افتتحت السفارة السورية في قطر أبوابها في 27 من آذار/ مارس بممثلين عن إرادة الشعب السوري، وما تزال تفتح أبوابها لكل أبناء الشعب، وتسعى إلى أن تقدّم نموذجا طيبا للمؤسّسات التي يطمح السوريون لها، والتي تحترم كرامتهم وتحفظ حقوقهم بعيداً عن الفساد. ونسعى بكل جهدنا لخدمة كل السوريين من الزائرين والمقيمين في دولة قطر، وتقديم نموذج حضاري عن المؤسّسات السورية الحرّة، يعبّر عن ضمير كل مواطن سوري حر.
وأخيراً، ما زالت الصعاب تواجه ثورتنا، لكن الشعب السوري عرف طريقه وسيستمر حتى تحقيق أهداف ثورته النبيلة، وسيضع أسس دولة المواطنة التي تحترم حقوق مواطنيها، وتوفّر لهم الكرامة والعدالة والعيش الكريم.
نطالب أحرار العالم بالانضمام إلى السوريين في دعم قضيتهم ونضالهم من أجل الحرية والعدالة والكرامة، وأن يثقوا بقدرة السوريين على إكمال ثورتهم التي أذهل شبابها العالم بشجاعته، وعلى العالم أن يُدرك أن واجبنا تجاه من ضحّى بحياته من أجل سورية يتمثل في بناء الدولة التي حلم بها هؤلاء الأبطال بعد الخلاص من نظام الظلم والاستبداد.
إننا نحيي في هذه الأيام الذكرى الثانية عشرة، وكلنا أملٌ أن يكون هذا آخر عام لنا نتجرّع فيه مرارة النزوح والاعتقال والتهجير والملاحقة والتعذيب، وأن تطلّ علينا الذكرى المقبلة للثورة وقد تحقّقت أهدافنا في الحرية والعدالة والكرامة، وأن نكون جميعاً في ساحات سورية نهتف للحرية.
الرحمة للشهداء الأبرار والشفاء للجرحى، والحرية للمعتقلين