في الملعب الصيني؟

11 ديسمبر 2022
+ الخط -

صحيح أن القمم العربية الصينية التي احتضنتها الأراضي السعودية قبل أيام تعد تحوّلاً كبيراً في العلاقات العربية عموماً، والخليجية خصوصاً، مع بكين، إلا أنه لا يمكن تحميلها أكثر من اللازم، وتحديداً في ما يتعلق بالحديث عن الانسلاخ العربي العام عن التحالف مع الولايات المتحدة، والتوجّه شرقاً إلى الصين، لكثير من الاعتبارات الخاصة بالصين أولاً، ثم بالدول العربية ثانياً.

بدايةً، لا يمكن إنكار أن علاقة بعض الدول الخليجية، وتحديداً السعودية والإمارات، مع الولايات المتحدة لا تمرّ بأحسن أحوالها، بفعل الموقف الذي اتخذته السعودية في اجتماع أوبك+ أخيرا حول تخفيض إنتاج النفط. والتقارب الحاصل الآن مع الصين لا ينفصل عن توتّر هذه العلاقات، ولا سيما أن الرياض وأبوظبي تدركان أن أساس استراتيجية الإدارة الأميركية الحالية هو مواجهة التمدّد الصيني عالمياً، وبالتالي فإن فتح باب التعاون الاستراتيجي العربي مع الصين يمثل تحدّياً لهذه الاستراتيجية، وهو ما عبّرت عنه فعلياً الخارجية الأميركية في تحذيرها من النفوذ الذي تسعى الصين إلى تنميته حول العالم.

هذا التحدّي بالتأكيد لا يعني فكّ الارتباط الخليجي عموماً، والسعودي الإماراتي خصوصاً، مع الولايات المتحدة، فالأمر وإن أرادته هذه الدول، وهي بالتأكيد لا تريده، شبه مستحيل، بفعل التغلغل الأمني والسياسي والاقتصادي الأميركي في الدول الخليجية، إضافة إلى عدم قدرة أو رغبة الصين في ملء الفراغ الأميركي. ولذلك يمكن وضع الأمر في إطار المناورة مع الإدارة الديمقراطية الحالية التي لا تسير العلاقة معها على خير ما يرام بفعل مجموعة من العوامل، بانتظار تغير الأحوال الأميركية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

كذلك لا يمكن اعتبار هذه القمم تحولاً في التحالفات العربية السياسية لأسباب مرتبطة بالصين نفسها، والتي ليست في وارد لعب دور سياسي أو عسكري أكبر من استطاعتها. من الممكن النظر إلى الصين باعتبارها قوة عالمية اقتصادياً، خصوصاً في صادراتها الخارجية، لكنها لا تزال بعيدة عن التحوّل إلى قوة عظمى سياسياً. وتجارب "التوجّه شرقاً" التي خاضتها إيران أو روسيا في محاولة الهرب من العقوبات الأميركية، أثبتت أن الصين ليست في وارد تحدّي العقوبات الغربية عبر تعويض طهران أو موسكو عن خسائرهما من العقوبات، والتي سيكون لها تأثير كبير أيضاً على الصين المعتمدة بشكل أساس على الأسواق الغربية لتسويق منتجاتها ووضع استثماراتها.

حتى أن بكين نفسها لا تنظر إلى القمم التي عقدتها في السعودية من خارج المنظور الاقتصادي، وهو اهتمامها الأول. هي ترى بهذا الانفتاح العربي فرصة لنفوذ اقتصادي جديد، وخلق أسواق جديدة للاستثمار، وهي الاستراتيجية الصينية المعتمدة منذ سنوات في إطار بناء إمبراطورية اقتصادية ممتدة في العالم، ونجحت فيه إلى حد ما في أفريقيا، وحتى الولايات المتحدة نفسها. هي فرصة إذن بالنسبة لبكين لخلق أراض جديدة لهذه الإمبراطورية، لكن ليس على حساب النفوذ الأميركي الآخر في المنطقة.

وفق هذه الاعتبارات الصينية، والارتباطات العربية، من المبالغ فيه اعتبار القمم العربية الصينية، رغم أهميتها، تحولاً وتغيراً عالمياً، خصوصاً أن الملعب الصيني ليس جاهزاً بعد لجمع المعايير الأمنية والاقتصادية والسياسية، ولعب أدوار أكبر على الساحات العالمية. لكن ذلك لا ينفي وجود الصين قوة مؤثرة في المحافل الدولية، والانفتاح العربي عليها يحمل في طياته قناعة جديدة بضرورة مد الجسور في مختلف الاتجاهات، وعدم الاكتفاء بتحالف باتجاه واحد، كما كان الحال قبل سنوات.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".