في العنصرية الإسرائيلية وادّعاءات تميز اليهود الأشكناز
تقوم العنصرية، بالأساس، على ادّعاء أن الاختلاف في الصفات الجينية، أو الصفات الجسدية، يؤدي إلى اختلاف في مستوى الذكاء والقدرة على العمل والمساهمة في بناء الحضارة. في عام 2009، نشر الباحثان الأميركيان، غريغوري كوكران، وهنري هاربندنغ، كتابا بعنوان "انفجار 10000 عام؛ كيف سرّعت الحضارة التطوّر البشري؟"، ذهبا فيه إلى أن الأجناس المختلفة التي تتكون منها البشرية تختلف وراثيا في نواحٍ مهمة، ليس في لون الجلد، أو العين، أو الشعر، بل في الذكاء والمزاج ومجموعة أخرى من السمات تؤثّر في فرص الإنسان في الحياة، وفي قدرته على التميز والإبداع.
خصّص المؤلفان فصلا كاملا عن تميز اليهود الأشكناز (الغربيين) في تكوينهم الجيني، بحيث أصبحوا متميزين عن غيرهم من البشر في أمور كثيرة متعلقة بالقدرات العقلية، والتي كشفتها إسهاماتهم العلمية والثقافية في العصر الحديث، وما نالوه من جوائز في مجالاتٍ مختلفة أكثر من غيرهم من الفئات مقارنة بحجمهم من إجمالي سكان العالم. وطبقا للمؤلفين، فإن ذلك كله يجعل جينات هذه الفئة من اليهود أكثر تميزا عن جينات الأوروبيين الغربيين غير اليهود، وبالتالي، فإن مقارنة جينات هؤلاء اليهود الغربيين باليهود ذوي الأصول اليمنية أو المغربية تكشف أن التميز سوف يكون كبيرا جدا طبقا لرأيهما.
مثل هذه الدراسات التي تربط بين التميز والجينات الوراثية، والتي اعتمدت طرقا وأساليب غير دقيقة، وإن لبست ثوب العلم، تؤدّي إلى تفاقم التمييز العنصري، بحيث يمكن استخدام نتائج هذه الأبحاث لدعم نظريات عنصرية تتحدّث عن تمييز عرقي بين الناس، مثلما يقول منتقدو الكتاب.
حينما نذهب إلى الحالة الإسرائيلية سوف نكتشف حجم العنصريّة الذي تتعرّض له فئات مختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي. وعادة ما تُظهر الاستطلاعات أن اليهود ذوي الأصول الإثيوبية هم أكثر من يتعرّض للتهميش والتصرّفات العنصرية. وإذا كان من الممكن اعتبار ما يلقاه عرب 48 في إسرائيل من تهميش، واضطهاد أو عنصرية، نتيجة وجود صراع تاريخي ورفض لاستمرار الاحتلال، ومناصرة للقضية الفلسطينية، أو دعم للمقاومة، وإصدار قوانين عنصرية مثل قانون القومية الذي أقرّ عام 2018 الذي يؤكّد أن "إسرائيل دولة يهودية"، ومن ثم يعتبر العرب مواطنين من الدرجة الثانية، وينسف بذلك مبدأ المساواة بين جميع المواطنين في الدولة، فإنه يجب أن نسأل ما إذا كانت فئات اليهود كلها تلقى معاملة عادلة، وتحظى بفرص متساوية في المجتمع الإسرائيلي أم لا؟
العنصرية تعاني منها كل الأقليات هناك بنسب متفاوتة، بعضها بسبب اللون، وبعضها بسبب الدين، وأخرى بسبب الثقافة، أو المستوى الاجتماعي
في مطلع عام 2016، قرّرت إسرائيل تشكيل لجنة لمناهضة العنصرية ضد اليهود ذوي الأصول الإثيوبية تحديدا، في أعقاب اعتداء وحشي للشرطة الإسرائيلية على إسرائيلي من أصول إثيوبية، وقدّمت نتائجها التي تضمنت اعترافا بوجود عنصرية مؤسّسية في إسرائيل، وقرّرت تشكيل وحدة تنسيق حكومية لمناهضة العنصرية والتمييز، وكان هذا القرار اعترافا من الدولة هناك بوجود عنصرية ممنهجة داخل إسرائيل.
ما يتعرّض له اليهود الإثيوبيون (يهود الفلاشا) في إسرائيل من عنصريةٍ ملموسة، قائمة على لون البشرة، ليس جديدا، بل يعود إلى عقود خلت؛ ففي تسعينيات القرن الماضي، أثيرت فضيحة كبيرة في إسرائيل تؤكد رسوخ هذه التصرّفات العنصرية. كانت السلطات الطبية الإسرائيلية ترفض تبرّع الإثيوبيين بالدم، باستثناء من ولدوا في إسرائيل، ووصل الأمر إلى فضيحة أكبر عام 1996 عندما تم الكشف عن إتلاف أكياس الدم التي تبرع بها مهاجرون من أصل إثيوبي، وقد ظل الأمر على حاله طوال 20 عاما حتى أعلنت وزارة الصحة الإسرائيلية في عام 2016 إلغاء القيود على تبرّع اليهود الإثيوبيين بالدم.
مرور أكثر من ربع قرن على هذه الفضيحة العنصرية، وقرار وزارة الصحة الإسرائيلية في عام 2016، لا يعني نهاية العنصرية في إسرائيل. وتدل شواهد مختلفة على أن العنصرية هناك تضرب بجذورها في دولة قامت بالأساس، منذ لحظة إعلانها، على الفصل العنصري والاستيلاء على حقوق الآخرين. هذه العنصرية تعاني منها كل الأقليات هناك بنسب متفاوتة، بعضها بسبب اللون، وبعضها بسبب الدين، وأخرى بسبب الثقافة، أو المستوى الاجتماعي. ويؤكد المحامي أفكا زينا، ذو الأصل الإثيوبي، وهو رئيس وحدة التنسيق الحكومية لمناهضة العنصرية في إسرائيل، "أن مكافحة العنصرية لا تزال مستعصية وخطيرة، والطريق طويل للقضاء عليها في إسرائيل". ويظهر تقييم الشكاوى المقدمة ضد التصرفات العنصرية في العام 2019 أن نسبة 37% منها تحدُث ضد إثيوبيين، ويأتي العرب في المرتبة الثانية بنسبة 27%، ثم الحريديم بنسبة 5%، ثم اليهود ذوو الأصول الشرقية بـ 3%. وطبقا لهذا التقييم الرسمي فإن الإثيوبيين لا يشغلون سوى الوظائف الصغرى في الدولة، ولا يتم تصعيدهم لوظائف كبرى، وعادة ما يصنفون بـ "هم".
العرب يتعرّضون للعنصرية يوميا منذ قيام دولة إسرائيل، بل ويتم التقنين لهذه العنصرية بوضع القوانين، كقانون القومية
وتفيد التقارير الرسمية والصحافية بأن اليهود الإثيوبيين في إسرائيل يعانون من التهميش طوال فترات حياتهم. وكشفت صحيفة معاريف عن استطلاع للرأي يظهر أن 72.5% من الشباب ذوي الأصول الإثيوبية في إسرائيل تعرّضوا لتصرّفات عنصرية في المجال العام، ما دفع 51% منهم إلى تفضيل العيش في حياة منغلقة على الإثيوبيين فحسب. ويشير الاستطلاع الذي يعود إلى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى أن 59% ممن شاركوا في الاستطلاع أكّدوا على أنهم كانوا يخجلون من إطلاع عائلاتهم على ما يتعرّضون له من تصرّفات عنصرية. ويحكي الطلاب الإثيوبيون في المدارس الإسرائيلية أنهم كانوا يوجهون للجلوس في مقاعد في الصفوف الأخيرة داخل الفصول الدراسية، وأنهم كانوا يعاملون بازدراء داخل المدارس، وإشعارهم بأنهم لن يكون لهم قيمة في المجتمع الإسرائيلي.
ويمتد هذا الشعور بالازدراء لمن خدم منهم في الجيش الإسرائيلي أيضا؛ ويحكي مجنّدون إثيوبيون عن أن هناك قيادات عسكرية إسرائيلية لم تلتق أبدا بإثيوبيين، ولا يعرفونهم، بل ربما لا يرونهم أيضا. مثل هذه التصرفات تدفع هؤلاء الإثيوبيين إلى الشعور بالعزلة، وقد يدفع ذلك ببعضهم إلى محاولة الانتحار. ويقول المحامي زئيف كاسو، وهو إسرائيلي إثيوبي الأصل، إنه غير مندهش من نتائج الاستطلاعات التي تكشف مستوى العنصرية في إسرائيل، لأنها تظهر الوضع الحقيقي الذي يعيشه اليهود الإثيوبيون، رغم أنهم جزءٌ من المجتمع الإسرائيلي.
ولا يقل ما يتعرض له عرب 48 من عنصرية عن اليهود الإثيوبيين، وإذا كان هؤلاء الأخيرون قد عانوا من هذه العنصرية منذ عقود محدودة، فإن العرب يتعرّضون لها يوميا منذ قيام دولة إسرائيل، بل ويتم التقنين لهذه العنصرية بوضع القوانين، كقانون القومية المشار إليه.
متوسط الشكاوي التي تقدم بها من تعرّضوا لتصرفات عنصرية في الأعوام الماضية التي تشمل 2019، 2020، 2021 يصل إلى حوالي 500 حالة سنويا
وقد كشف استطلاع رأي نشر ضمن تقرير وحدة التنسيق الحكومية لمناهضة العنصرية والتمييز لعام 2021 أن 83% ممن شاركوا في الاستطلاع يعتقدون أن العنصرية في إسرائيل ذات طابع مؤسسي، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالعرب، وأن 66% قد تعرّضوا هم أنفسهم إلى تصرّفات عنصرية، أو يعرفون أشخاصا تعرّضوا لها، وقال 61% منهم إن الدولة لا تحارب العنصرية بشكل كافٍ، وأجاب 77% منهم أنهم لن يتوجهوا إلى وحدة تنسيق مكافحة العنصرية إذا تعرّضوا في المستقبل لتصرّفات عنصرية بسبب كونهم عربا، وأن 46% منهم برّروا ذلك بأن الوحدة ليست لديها القدرة على معالجة المشكلة أو تقديم المساعدة.
وتؤكّد الوحدة، في تقريرها المطول الصادر نهاية 2021، أن متوسط الشكاوي التي تقدم بها من تعرّضوا لتصرفات عنصرية في الأعوام الماضية التي تشمل 2019، 2020، 2021 يصل إلى حوالي 500 حالة سنويا، مع تأكيدها على أن هذا العدد ليس العدد الفعلي للحالات الحقيقية، لأن الوحدة لم تقدم نفسها للجمهور بالشكل المطلوب بعد، إضافة إلى أن الغالبية من الناس لا يعلمون بوجود الوحدة من الأساس، أو لا فكرة لديهم عن كيفية التوجه إليها، فضلا عن أنه ليس هناك بحث شامل في إسرائيل يمكن أن يعطي صورة الوضع الحقيقي عن ظاهرة العنصرية ومدى انتشارها في إسرائيل.
وإذا كانت أرقام وحدة مناهضة العنصرية في إسرائيل تؤكّد على أن الإثيوبيين وعرب 48، ثم الحريديم واليهود الشرقيين، هم أكثر من يعاني من العنصرية في إسرائيل، وإذا كانت العنصرية في إسرائيل ذات طابع مؤسّسي مثلما كشفت تقارير لجان مناهضة العنصرية، فإن الأصابع قد تشير إلى أن اليهود الأشكناز "المتميزين جينيا!"، والذين يقودون إسرائيل ومؤسّساتها منذ قيام الدولة، هم المسؤولون عن ممارسة العنصرية أو تقنينها من خلال قوانين رسمية. وهذا بالطبع لا يبرّئ بقية فئات المجتمع الإسرائيلي الذين يقبلون بالمشروع الصهيوني لدولةٍ قامت على نظام فصل عنصري.