في الصراع الإيراني الروسي على سورية
ليست التفاهمات الإيرانية الروسية حول سورية في أحسن أحوالها. وهناك عدّة مُؤشّرات تُفيد بأنّها تقترب من لحظةٍ مفصليةٍ، يضع فيها الطرفان كلاهما الأوراق على الطاولة. نقطة البداية هي عدم دعوة إيران لحضور الاجتماع الذي أعلنت عنه روسيا في موسكو، بين الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان ورئيس النظام السوري بشّار الأسد ورئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني. ويُعَدُّ هذا التجاهل المُتعمَّد تجاوزاً لصيغة مسار أستانة، التي بمقتضاها وُضعَت إدارة الوضع السوري بين روسيا وإيران وتركيا، منذ مطلع عام 2017، ورغم أنّها لم تقدّم حلّاً ينهي مأساة السوريين، فإنّها حققت تأمين النظام من الهزّات، ومكّنته من استعادة مساحاتٍ واسعةٍ من الجغرافيا السورية، كان قد فقدها لصالح الفصائل المسلّحة، وكرّست وقف إطلاق نار. وما كان لذلك أن يتمّ لولا التدّخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، الذي جاء قبل أسبوعين من انهيار النظام، على حدّ ما جاء في تصريحات عدّة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
زيارة الأسد إلى موسكو قبل شهر، على صلة وثيقة بالتطوّرات بين موسكو وطهران، وجاءت بعد أكثر من عام من سابقتها في مارس/آذار 2023. وكان مُلاحظاً أنّ الكرملين نشر في بيان رسمي بعضَ تفاصيل المحادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأسد، وركّز في نقطة أساسية تتعلّق بتطوّر الوضع في المنطقة ككلّ، ومن "سوء الحظ، تميل الأمور إلى التفاقم، وهذا ينطبق أيضاً على سورية بشكل مباشر"، على حدّ تعبير بوتين، الذي كان يشير إلى احتمالات توسيع نطاق حرب إسرائيل على غزّة، لتشمل إيران وأعوانها في لبنان وسورية واليمن والعراق. ويبدو من السياق أنّ موسكو تعارض مشاركةَ النظام السوري في الردّ الإيراني، على اغتيال رئيس المكتب السياسي السابق إسماعيل هنيّة في طهران، لأنّه قد يعرّض نفسه لضربة إسرائيلية تستهدفه مباشرة، وربّما أدّى الأمر إلى وضع القوّات الروسية، التي تحمي النظام، في مواجهة مع إسرائيل، وهذا مخالف لقواعد الاشتباك المعمول بها بين موسكو وتلّ أبيب، في ما يخص مهاجمة إسرائيل لأهدافٍ إيرانيةٍ داخلَ سورية. وحسب ما هو ظاهر من ردّات الفعل، فإنّ الأسد استجاب للتحذير الروسي، وهذا ما يُفسّر عدم بث وسائل إعلامِ النظام خطابَي الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، اللذين توعَّد فيهما إسرائيل بردٍّ مُزلزِل على اغتيال القيادي فؤاد شكر. وقد بلغت الرسالة الروسية نصر الله، ما جعله يعلن أنّ النظام السوري غير مُطالبٍ بالردّ العسكريّ على إسرائيل، رغم أنّه من "محور المقاومة والممانعة"، ولكنّه طلب منه "توفير الدعم المعنوي والسياسي والتسهيلات".
لم تعترض موسكو على هجمات إسرائيل المتواصلة على أهدافٍ إيرانيةٍ داخلَ سورية منذ عدة أعوام. وما كان لها أن تتوصّل مع تلّ أبيب إلى قواعد اشتباك تبيح لها ذلك، لو لم تكن مُرحّبة ضمنياً، لأنّ إضعاف إيران عسكرياً في سورية يخدم مصالحَ روسيا، التي استثمرت عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في النظام السوري، ولا تريد أن تخسره من أجل خدمة أجندة إيران. وجاءت تداعيات حرب إسرائيل على غزّة كي تظهر مدى التباين بين المصالح الروسية والإيرانية في سورية، والتقارب بين روسيا وتركيا وبعض الأطراف العربية، التي أبدت استعدادها للتطبيع مع النظام السوري، في حال قام بخطوات تبعده عن طهران، بما في ذلك تسديد ديونه، التي قدّرتها وثيقةٌ حكوميةٌ (مصنفةٌ سرية) صادرة عن الرئاسة الإيرانية، جرى تسريبها في أغسطس/آب الماضي بـ50 مليار دولار، تريد طهران استعادتها في شكل استثمارات، ونقلٍ للفوسفات والنفط والموارد الأخرى إلى الحكومة الإيرانية في مدى 50 عاماً، وهذا أحد أكثر الأسباب أهمّية للصراع الروسي الإيراني.