في الرد على أخطاء عمرو حمزاوي التاريخية

18 يوليو 2022

(مروان قصّاب باشي)

+ الخط -

عاد الباحث المصري، عمرو حمزاوي، قبل أيام، إلى القاهرة للمشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعبر عن ابتهاجه بتلك المشاركة في لقاءاته التلفزيونية وكتاباته، أو على صفحته في "فيسبوك". وهذا من حقه، وليس من حق أحد أن يهاجم شخصه أو يتعرض لحياته الخاصة، أو يتهمه بأي تهم أو توجيه السباب والشتائم له، فهذا مرفوض. وفي المقابل، من حق كل فرد توجيه الانتقاد إلى فعله أو إلى تصريحاته، حيث إنها ممارسة في المجال العام. وبالتالي، هو أمر خاضع للنقد، فالنقد هنا موجّه إلى الفعل أو الممارسة، وليس إلى الشخص. لكن كان مفاجئا أن عمرو نشر بيانا على صفحته على "فيسبوك"، تارة يدافع فيها عن نفسه ويرفض زجّ حياته الشخصية في المجال العام، وهو ما أتفق معه تماما، وتارة أخرى، يهاجم الآخرين الرافضين للحوار، من خلال مغالطات تاريخية ومنهجية، تكررت أيضا في لقاء تلفزيوني معه أخيرا، يجب التوقف عندها والرد عليها، فهي لا يمكن أن تمر مرور الكرام، حينما تصدر من أستاذ للعلوم السياسية. 
يستخدم حمزاوي في خطابه نبرة شعبوية، تتوافق مع خطاب النظام وإعلامه، في قوله "بعض من يدعون معارضة الخارج". وهنا نرى رفضا لدى حمزاوي في أن يكون هناك معارضة أو عمل سياسي للمعارضة في الخارج، ويكمل حجّته بأنه يرفض ذلك، لأنه يرى أن مصر لا ينفع لها معارضة من الخارج، بل إن التغيير لا بد أن يكون من الداخل. وهذه العبارة التي يسوقها حمزاوي حجة لرفض المعارضة من الخارج تنطوي على أخطاء تاريخية ومنهجية. 
أولا: سقط عن حمزاوي أن المعارضة المصرية يمتد عمرها في المنفي إلى أكثر من مائة عام، ففي فترة الاحتلال الإنكليزي كانت هناك معارضة مصرية قوية عملت على تجييش الرأي الدولي ضد الاحتلال الإنكليزي، وقد تكوّنت تلك المعارضة من أعضاء الحزب الوطني الذي أسّسه مصطفى كامل، وكان معظمها متمركزا في ألمانيا، وكان في مقدمتهم الزعيم الوطني محمد فريد وآخرون. وبالتعاون مع المعارضة الداخلية التي كان يقودها حينها سعد زغلول، لعبت تلك المعارضة دورا مهما في عرض القضية المصرية على مؤتمر فرساي في إطار وعد ويلسون. وقد يقول بعضهم إن هناك فرقا بين النظام الحالي والاحتلال الإنكليزي، لكن ما نناقشه هو مشروعية العمل وليس الخصم المستهدف بالمعارضة، فمشروعية الفعل لا يمكن نفيها (شريطة حياديتها واستقلالها)، وهذا نقاشٌ كبيرٌ في النظرية السياسية المتخصص فيها حمزاوي.

النظام يرى كل شخص يعبر عن رأيه سواء في الداخل والخارج هو من المعارضين له، في نوع من توسيع لفظ المعارضة ليشمل كل شيء

ثانيا: في فترة جمال عبد الناصر، وجد معارضون في الخارج، وعملوا على مناهضته، ومن بينهم محمد أبو الفتح ومن كانوا معه، والذين أسّسوا "راديو مصر الحرّة"، وقد عفا أنور السادات عنهم فيما بعد، في الوقت نفسه، تكونت معارضة في الخارج للسادات، وشملت هذه المعارضة عددا من ناشطي الحركة الطلابية في جنيف، وكان من بينهم أحد أساتذة العلوم السياسية المعروفين حاليا، وقد يكون هو أحد أساتذة حمزاوي نفسه، بينما شهد عهد حسني مبارك معارضين عديدين في الخارج شكلوا حركة معارضة لمبارك ومجموعة الحزب الوطني. 
ثالثا: يستخدم حمزاوي، المعارض القادم من الخارج، مصطلح معارضة الخارج، إلى جانب مصطلح صكّه بناء على معرفته (المعارضة من الخارج وهم)، نوعا من رفض وجود مثل هذه المعارضة، وكأنه أحلّ لنفسه المعارضة من الخارج وحرمها على غيره، كما أن استخدامه لهذا المصطلح وبهذه الكيفية هو استخدام لنفس طريقة النظام، حيث إن النظام يرى كل شخص يعبر عن رأيه سواء في الداخل والخارج هو من المعارضين له، في نوع من توسيع لفظ المعارضة ليشمل كل شيء، بدءا من حرية التعبير وانتهاء بمزاولة العمل السياسي. وهو ما رفضه حمزاوي منذ سنوات، وعبر عن أن الفاشية والصوت الواحد هما المسيطران، وليس هناك من قبول لأي شيء، سوى ترديد ما يقوله النظام. والسؤال هنا: ما الذي تغير من وجهة نظر حمزاوي؟

اختار حمزاوي أن يتحدّث من خندق النظام، وليس من خندق الحياد والديمقراطية التي طالب بالتمسّك بها في الممارسة

في الوقت نفسه، نسي حمزاوي أو تناسى أن هناك أكاديميين وباحثين، وحقوقيين، وصحافيين، عديدين، موجودين في الخارج، ويؤدّون عملهم، سواء بتناول الأوضاع في مصر من خلال الدراسات الأكاديمية، أو فضح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، أو كشف الحقائق من خلال عملهم الاستقصائي، وهو ما جعل النظام يصنّفهم معارضة، بل والذهاب إلى أبعد من ذلك بتصنيفهم أعداء للوطن، وزجّهم في قضايا والحكم عليهم بالسجن. والمتأمل لوصف حمزاوي يراه يقوم على التعميم المطلق، بإطلاق لفظ معارضة الخارج على كل من هو في الخارج، ويعارض النظام وسياساته. وبعيدا عن كون التعميم خطأ وفخا أكاديميا، إلا أن الأكاديمي المصري قرر تبنّي هذا المنهج في خطابه، وهو خطاب النظام وأجهزته الأمنية والإعلامية. ويبدو أن حمزاوي نفسه قد تناسى أنه اكتوى من قبل بهذه النار، فأول من هاجمه، وتناول حياته الشخصية، ووصفه بأنه عدو للدولة المصرية ومتعاون مع الأميركان ضد مصر، كان النظام المصري نفسه وأجهزته الإعلامية، وفيديوهات إعلاميي النظام موجودة، ويستطيع الجميع مشاهدتها علي الإنترنت.
وكنت أظن أن هذه الممارسة من النظام وأجهزته المختلفة، والمرفوضة، ستدفع حمزاوي إلى أن يطالب بوقف الهجوم على المعارضين، فحتى لو أخطأ بعض منهم في حقه، ليس معنى هذا عملية صبّ جام غضبه على كل معارضي الخارج. كنت أظن الممارسات الديمقراطية (ورفض الشعبوية) التي دائما ما تبنّاها حمزاوي ونادي بها ستكون دافعه إلى أن يطالب بوقف مثل تلك الممارسات من النظام، وتوسيع قاعدة الحوار مع من هم في الخارج. وبالتالي، الدفع بالحوار إلى الأمام وبطريقة أكثر قوة ورحابة، لكن حمزاوي اختار أن يتحدّث من خندق النظام، وليس من خندق الحياد والديمقراطية التي طالب بالتمسّك بها في الممارسة.

كل يوم تثبت النخب المصرية أنها غير ديمقراطية في ممارستها، حتى لو رفعت شعارات الديمقراطية واتخذت منها عنوانا

في المقابل، وعند حديثه عن تجارب بعض الدول التي ضرب مثلا عليها في عملية الحوار، مارس حمزاوي نوعا من التلفيق في عرض المعلومة، ففي وقتٍ كانت هناك معارضة في الخارج في تلك الدول، وتم دمجها في عملية الحوار الوطني، للوصول إلى تحوّل ديمقراطي، نرى أن حمزاوي يعرض المعلومة منقوصة، فهو يركّز على مسألة الحوار، بينما لم يورد شيئا عن معارضة الخارج في هذه التجارب، كما أنه لم يتحدّث عن أن الحوار الوطني تم في تلك الدول، خصوصا البرازيل، بعد إصدار عفو عام. وبالتالي، كانت هناك رغبة حقيقية ودافع للمشاركة في الحوار، وهذا ما لم يحدُث في التجربة المصرية الحالية. تضرب هذه الممارسة التي قام بها حمزاوي في عرضه هذه الأمثلة مصداقية الطرح نفسه، كما أنها لا تستقيم من الناحية الأكاديمية، وتشكّك في مصداقية الباحث ومنهجيته. 
وهنا أسوق أمثلة على معارضة الخارج في هذ التجارب التي ذكرها حمزاوي، لكنه نسي متعمدا، أو بدون معرفة، عدم ذكرها، حتى يعرض فقط ما يخدم فكرته ورأيه. ففي التجربة البرازيلية كان هناك معارضون عديدون في الخارج منهم مثلا José Serra، وهو سيناتور وعمدة سابق لساوباولو ومرشّح رئاسي سابق عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي. كذلك Oscar Niemeyer، وهو أهم مهندس معماري في تاريخ البرازيل، وأبو مدينة برازيليا العاصمة، ومصمم مئات المباني العلامات في البرازيل إلى اليوم، مثل الكاتدرائية الكاثوليكية الأم في البرازيل وكنيسة ساو فرانسيسكو دي أسيس الموجودة في بيلو أوريزونتي، وهو يعد حسن فتحي العمارة البرازيلية، وقد خاض تجربة المنفى فترة ثم عاد إلى البرازيل، حينما تم العفو العام وانطلق الحوار الوطني.
ثمّة فارقٌ بين القول والممارسة، فكل يوم تثبت النخب المصرية أنها غير ديمقراطية في ممارستها، حتى لو رفعت شعارات الديمقراطية واتخذت منها عنوانا.

BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.