"فاغنر" تتمدّد
تشكّلت "قوات فاغنر" الروسية، على غرار شركة "بلاك ووتر" الأميركية، التي اشتهرت بجرائمها خلال الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. وأشرف على تطويرها رجل الكرملين، يفغيني بريغوزين، المعروف بطبّاخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتصبح جيشا كبيرا له حضوره على المستوى الدولي، خلال أقلّ من عشر سنوات، وخصوصا في القارّة الأفريقية. وباتت مشغلا لآلاف المرتزقة الروس وغير الروس. وبعد أن برزت على نحو خاص في ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، خطفت الأضواء أكثر بعد مقتل ما يفوق 150 من عناصرها خلال غارة أميركية في سورية مطلع فبراير/ شباط 2018. ومع الوقت، باتت تمثل جزءا أساسيا من استراتيجية روسيا الأوسع المتمثلة بالحرب الهجينة، التي تمزج بين الحربين، النظامية وغير النظامية، وذلك عبر زجّ مرتزقة في مهماتٍ قتاليةٍ ذات طبيعة خاصة، من أجل تجنّب استخدام الجيش النظامي في عمليات قذرة.
ويتزايد بشكل ملحوظ ومتسارع دور هذه المجموعة في عدد كبير من بلدان أفريقيا، مثل ليبيا، أفريقيا الوسطى، مالي، وبوركينا فاسو، السودان، موزمبيق، أنغولا، زيمبابوي، غينيا بيساو، غينيا، ومدغشقر. وحققت في عدد منها نجاحاتٍ مهمة، كما هو الأمر في النزاع الليبي، حيث تعدّ روسيا لاعبا رئيسيا، من دون أن ترسل قوات رسمية لدعم حليفها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كما أنها حلّت خلال العامين الأخيرين محلّ القوات الفرنسية في كل من أفريقيا الوسطى ومالي، وتستعد، في هذه الأيام، لتملأ الفراغ الذي ستتركه القوات الفرنسية في بوركينا فاسو، والتي طلبت من باريس سحب قواتها التي تقدر بـ 400 جندي. ومن المنتظر أن تتحوّل إلى القوّة الأمنية الرئيسية في هذه الدولة، التي تسدّد لها مقابل خدماتها عن طريق استغلال أحد مناجم الذهب في جنوب العاصمة أوغادوغو.
يقوم الموقف الروسي على إنكار أي علاقة للدولة الروسية بـ"فاغنر"، ونفى الكرملين كل صلة رسمية بالمجموعة، عندما رفعت ضدّها منظماتٌ حقوقيةٌ دعاوى لإدانتها بسبب جرائمها في سورية. ولم يمنع ذلك من أن تصبح هذه المليشيات سلاحا ضاربا بيد الدولة الروسية، تستخدمه في المناطق التي تواجه فيها مواقف صعبة، مثلما حصل في سورية وليبيا، ويحصل الآن في أوكرانيا، حيث يقدّر خبراء أوروبيون عدد مقاتلي "فاغنر" بأنه يتجاوز عشرة آلاف من المرتزقة الروس ومن بيلاروسيا، ومثلهم من جنسياتٍ أخرى، تم تجنيدهم للقتال في هذه المليشيات مقابل مبالغ كبيرة. وهناك تأكيداتٌ على أن التقدّم الذي أحرزه الروس في الأيام الأخيرة على جبهة دونباس تم على يد "قوات فاغنر"، وذلك بموازاة التقدّم السريع الذي تُحرزه في أفريقيا، التي سبق لها وأن عانت في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته من زعزعة الاستقرار، بسبب مشاركة المرتزقة الأجانب في النزاعات التي شهدتها بعض بلدان القارّة، مثل سيراليون وليبيريا وساحل العاج والكونغو. وفي مواجهة النفوذين الصيني والأميركي في أفريقيا، لا تمتلك روسيا سلاحا اقتصاديا، وهو ما تعوّضه "قوات فاغنر" التي باتت دول أفريقيا تحسب حسابها، بعد أن انتشرت في أكثر من عشر دول أفريقية، وباتت لديها معسكراتها، وتشكل ليبيا إحدى القواعد المهمة، لأن هذه القوات قاتلت إلى جانب حفتر، وتلقّت عام 2020 دعما لوجستيا بالأفراد والمعدّات تم نقله عن طريق 338 رحلة جوية روسية عسكرية من سورية إلى ليبيا، وذلك حسب ما ورد في تقرير فريق خبراء العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا. وهناك حقيقة مهمة حول وجود "فاغنر" في أفريقيا، وهي أنه في وسع روسيا استخدامها للتدخل لدعم أي طرف أو الوقوف ضده، بما في ذلك القيام بانقلابات عسكرية، وتغيير أنظمة حكم كما حصل في أفريقيا الوسطى، مالي، وبوركينا فاسو.