غياب محمود عبّاس ... أسئلة اليوم التالي

15 فبراير 2023
+ الخط -

من المؤكّد أنّ مصير القضية الفلسطينية لن يتوقف على غياب فرد أو حزب أو هيئة، غير أنّ ذلك لا يعني انتفاء وجود تأثير على مسار القضية وتفاعلاتها، فما يجري تداوله بشأن معركة خلافة رئيس السلطة محمود عبّاس يثير مخاوف من أن تتحوّل لحظة غياب هذا الرجل إلى بداية انتكاسة جديدة للقضية الفلسطينية، تضاف إلى سلسلة نكساتٍ كان لعبّاس، والمسار الذي نافح عنه عقوداً، دور مهم فيها.

وكما شكل غياب/ تغييب الراحل ياسر عرفات انعطافة جديدة للقضية، دشّنها محمود عبّاس بنفسه، فإن رحيله، في ظل حالة التشظي التي تشهدها حركة فتح، سيشكل تحوّلاً جديداً إلى المجهول، لا يمتلك الكل الفلسطيني إجابات بشأنه.

لا يرتبط الأمر بعبّاس الشخص، بقدر ما هو متعلقٌ بعبّاس النموذج، فالرجل الذي يرأس السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينيتين، وحركة فتح، جزّأ المجزّأ، وعمل خلال سنوات سلطته على تعزيز المناطقية والولاءات الفردية، وهو ما يثير المخاوف من ارتفاع ضريبة أي خلاف قد ينشب بعد رحيله داخل الحالة الفتحاوية الواحدة.

وهنا تنشر مجموعة الأزمات الدولية تقريراً لها يتناول معركة خلافة عبّاس الذي ظهر في لقاءٍ، مسجل وغير مباشر، مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، وقد ظهرت عليه جلياً علامات المرض والتعب. تحذّر المجموعة في تقريرها من أن "من شأن عملية انتقال فاشلة أن تتسبّب بأعمال عنف أو حتى انهيار السلطة الفلسطينية"، فلم يعد سرّاً على الفلسطينيين، وتحديداً في الضفة الغربية، من أن مناطق نفوذ تتشكّل، ونشر أكثر من تقرير إعلامي عن اشتداد وتيرة اقتناء السلاح في أوساط مجموعاتٍ توالي القيادي الفتحاوي هذا أو ذاك، لا لمقاومة الاحتلال بقدر ما هو استعداد لما هو أسوأ، في حال كان الرحيل مفاجئاً من دون ترتيب لأوراق المرحلة اللاحقة.

تحوّل أو تيه جديد قد يشهده الشعب الفلسطيني هذه المرّة، وهو يرى قيادة جديدة تُفرض عليه

ينساق الاستنتاج الذي وصلت إليه المجموعة البحثية مع رؤية دولية، وربما عربية، اختزلت فلسطين بالسلطة ومؤسّساتها التي أفرزتها اتفاقات أوسلو، وتحرص على إبقاء هذا المسار لتصفية ثوابت القضية الفلسطينية الأهم، وكأننا أمام دولة طبيعية، قائمة أصلاً، وتشهد خلافاً سياسياً طبيعياً بين مكوّنات حزبية!

اللافت أنّ هذا الأمر يجري وقد انشغلت به دوائر صنع القرار في إسرائيل والولايات المتحدة، وربما عواصم إقليمية، لترتيب المشهد ولضمان استمرارية فعاليتها فيه، بينما يكاد الداخل الفلسطيني (الفصائل والمؤسّسات) يغيب عن تصوّرات اليوم التالي لغياب عبّاس، كيف سيكون المشهد؟ وما هو حجم حضورها في الواقع الجديد الذي قد يتشكّل بقيادة جديدة، إن لم يكن هذا أصلاً قد تشكّل في هذه العاصمة أو تلك.

وبينما يُصاغ المشهد خارجياً، لا تمتلك النخبة السياسية في فلسطين أجوبة لتساؤلات مهمة تتجاوز شخص القائد الجديد، إلى شكل المرحلة، من حيث ثمنها، وانعكاسها على الصراع مع الاحتلال، وتأثيرها على الحركة الوطنية الفلسطينية بشكل عام.

تحوّل أو تيه جديد قد يشهده الشعب الفلسطيني هذه المرّة، وهو يرى قيادة جديدة تُفرض عليه، حيث لا قوة له ولا حيلة، كيف لا والانسداد الذي يواجه القضية هو الأسوأ في تاريخها؟

عز الدين أحمد
عزّ الدين أحمد
إعلامي فلسطيني، من أسرة تلفزيون العربي، عمل في مؤسسات وفضائيات إعلامية فلسطينية وأردنية ودولية