عودة اللاجئين التي لا يريدها نظام الأسد
مؤتمر دولي عن عودة اللاجئين والمهجّرين السوريين، دعت إليه روسيا، عقد في دمشق في نهاية عام 2020 شاركت فيه روسيا والصين والهند وإيران ولبنان والإمارات وباكستان وعُمان وفنزويلا، وحضرته الأمم المتحدة بصفة مراقب، تحوّل إلى طقس يتكرّر كل فصل في مكان انعقاده الأول، يستعرض فيه الروس قدراتهم في استثمار الخراب السوري، لإظهار أنفسهم قوة متحكّمة، وكذلك أساليبهم في الحصول على المكاسب، في منافسة التغلغل الإيراني، الذي وجد أدواتٍ له أيضاً، في أروقة الوزارات والمؤسسات الرسمية السورية.
اللجنة المشتركة لمتابعة أعمال المؤتمر، حتى في اجتماعها الخامس الحالي، ما انفكّ أعضاؤها يردّدون في جلساتهم أن الدول الغربية المشاركة في المؤامرة الكونية على الدولة السورية، هي التي تمنع عودة اللاجئين! بينما تؤشّر ممارسات النظام في هذا الملف إلى عدم رغبته أصلاً في استقبال أي عودة جماعية لهم، وهذا ما أوضحته تجربة الحكومة اللبنانية قبل فترة قصيرة، حينما أعلنت عن أنها ستبدأ بإعادة 1600 عائلة سورية إلى بلدها، وهي بانتظار موافقة نظيرتها السورية على تحرّك الحافلات التي تنقلها باتجاه المعابر الحدودية، لكن شيئاً لم يحصل، بانتظار أن يأتي جواب دمشق.
لا يرى المشاركون في هذه اللجنة هذه الواقعة محرجة، وهم، في الوقت نفسه، لا يبدون معنيين بتشريح أسباب تجمهر السوريين أمام مؤسّسات الهجرة والجوازات، بانتظار الحصول على جواز سفر، يمكّنهم من المغادرة إلى أي مكان، وبأي طريقة، حتى وإن كانت محفوفة بمخاطر ذات احتمالية عالية.
تؤشّر ممارسات النظام إلى عدم رغبته في استقبال أي عودة جماعية للاجئين
قد تبدو حادثة غرق المركب، الذي كان ينقل الهاربين من سورية ولبنان بطريقة غير شرعية، في البحر أمام مدينة طرطوس، مجرّد تفصيل في سياق الكارثة الاقتصادية والإنسانية، التي تضرب البلدين نتيجة تسلط قوى الأمر الواقع على مقدّراتهما، لكنها لن تكون أمراً عادياً، في سياق التفكير بقضية اللجوء، وسعي السكان إلى تحسين أوضاعهم، حتى وإن ذهبوا إلى حدود أوروبا وأجبروا على البقاء في مخيمات اليونان ذات الظروف القاسية، لا بل إنها ستكون عنواناً فانتازياً، لقصة لا يمكن تصوّر وجودها، إلا في هذه البقعة من الأرض.
يريد نظام الأسد، ومن فوقه الروس، إقناع العالم بأن أزمة اللاجئين السوريين التي باتت دول عديدة متضرّرة منها، وليس فقط دول الجوار، يمكن أن تحلّ ببساطة وسهولة، عبر إعادة هؤلاء إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم! فعلياً هذا هو الحل الطبيعي والأفضل، فأي لاجئ يريد بالتأكيد أن يعود إلى وطنه، خصوصا وإن كان في الأصل لم يرغب بمغادرته، ولكنه اضطر لذلك. وتوافق دول كثيرة الطرح الروسي على ضرورة أن يحصل المطلوب، لكن قلّة منها تريد أن تستجيب له، رغماً عن إرادة اللاجئين، عبر إجبارهم على فعل ذلك. بينما ترفض الدول ذات الأنظمة الديمقراطية، وكذلك دول عربية وازنة، أن يحصل هذا من دون أن يبدأ مسار الحل السياسي، الذي نصت عليه قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة.
كان وزير خارجية النظام السابق، وليد المعلم، يعرف جوهر ما يقوله، عندما هدّد العالم بإغراقه بالتفاصيل، فعقله ومنهجه يتطابقان مع العقيدة البوتينية التي عبرت عن الفكرة ذاتها في أثناء العدوان الروسي على أوكرانيا، فالتفاصيل المُغرقة هي ذاتها؛ تعطيل الحياة الطبيعية، ودفع السكان إلى أن يصبحوا لاجئين في بلدان الآخرين، بالإضافة إلى إغلاق آفاق الحلول، وتخريبها، عبر الأدوات التي تمسك بها الأيدي الإجرامية المتحكّمة، مثلما تصنع البؤر المافيوزية في سبيل ديمومة مصالحها.
عقيدة الأسد تتماهى مع وجهة النظر الإيرانية التي لا ترى ضيراً في أن تفرغ سورية من سكانها، وعلى وجه التحديد السنّة منهم
لا يريد النظام أن يعود أي من المعارضين إلى سورية، وطالما أن الذين غادروها قاموا بذلك رغماً عن إرادته، فالقناعة الراسخة لدى الأسديين أن هؤلاء كلهم معارضة، وبالتالي، ما الفائدة من عودتهم؟!
وبينما ترى روسيا أن حصول هذا سيؤدّي إلى إعادة تأهيل النظام ليكون مقبولاً أكثر على المستوى الدولي، سيكتشف المحللون أن عقيدة الأسد تتماهى في هذا الشأن مع وجهة النظر الإيرانية التي لا ترى ضيراً في أن تفرغ سورية من سكانها، وعلى وجه التحديد السنّة منهم، طالما أن البدائل، أي العناصر الإيرانية والأفغانية والباكستانية الداعمة له عسكرياً، جاهزة وتستطيع القدوم والاستقرار في أي وقت، خصوصا مع تسارع الخطوات لإعداد البيئة المناسبة لها، ومنها تلك المذكّرة التي وقعتها وزيرة الثقافة، لبانة مشوح، مع رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، محمد مهدي إيماني بور، المتضمنة برنامجاً تنفيذياً للتعاون بين الجهتين، والتي تم توقيع ما يشبهها مع وزارة التربية والتعليم!
في المساحة الضيقة بين المشروع الروسي ونقيضه الإيراني، يجد نظام الأسد مساحة واسعة للتلاعب بكلا الطرفين، مستغلاً حاجتهما إليه، ضمن المعادلات الإقليمية، والصراعات الدولية حامية الوطيس، وأمام شهيته لبيع كل البلاد لمن يدفع أكثر، ستكون عودة اللاجئين آخر همومه.