.. عن "تعويض لاجئين عرب يهود"

25 فبراير 2014
+ الخط -

قد تبدو مزحةً في ظاهرها، مطالبة إسرائيل اثنتي عشرة دولة عربية، بينها الأردن، بـ 300 مليار دولار، تعويضات عن أملاك 850 ألف يهودي، كانوا في هذه الدول عشية "لجوئهم" إلى إسرائيل في 1948. لكن تضمين هذه المطالبة في مشروع قانون أعدته إدارة الأملاك في وزارة الخارجية، تم طرحه في الكنيست، قبل نحو عامين، يعني أن المزاح ليس المطرح الذي تقيم فيه هذه "البدعة" لدى العقل الصهيوني في طور عبثه الراهن في ملاعبة العرب، ولاسيما أن إسرائيل تستعيد في هذه الأيام، وفي غضون التداول الجاري بشأن خطة للوزير الأميركي، جون كيري، مطالبتها هذه لإنجاز اتفاق مع الفلسطينيين. وفي البال أن الأمم المتحدة استضافت في نيويورك، قبل نحو عام ونصف العام، مؤتمراً اختص بـ"تعويض اليهود اللاجئين"، وشدد مسؤول في الخارجية الإسرائيلية، في أَثنائه، على أن السلام لن يتم من دون دفع هذا التعويض لهؤلاء الذين "أُجبروا" على ترك ديارهم في بلاد عربية وإيران.

ما الذي في وسع الدول العربية أن ترد به على هذا الاحتيال، الإعلامي في ظاهره، والذي قد تمضي فيه تل أبيب إلى ما هو قانوني، لنصبح أمام قضية لها أنصارها في الغرب. وقد تورطنا اللوبيات الصهيونية في أخذ وردٍّ بشأنه، وتعمّي في غضونه، مجدداً، على قضية اللاجئين الفلسطينيين العادلة، والتي يحسن التذكير بأَنها "مؤجلة" في اتفاق أوسلو، وأن إيهود باراك أزاحها في نقاشات "كامب ديفيد" مع ياسر عرفات، بعد موافقته على عودة مائة ألف لاجئ فلسطيني من لبنان إلى أراضي السلطة الوطنية، بشرط توقيع عرفات خطيا على اعتبار ذلك "نهايةً" لقضية اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي رفضه الزعيم الراحل. ويُؤتى على ذلك الأرشيف هنا، بمناسبة تسريبات إعلامية يرد فيها أن مارتن أنديك (الإسرائيلي سابقا والأميركي لاحقا) أَلمح إلى أن حل قضية اللاجئين اليهود مطروحة في "خطة كيري"، بالتوازي مع "بحث" مسألة اللاجئين الفلسطينيين.

قالتها الراحلة هيلين توماس، مرّة، وبارتجالٍ جلب عليها غضبا عالمياً غير منسي، لمحاورها في دردشةٍ تلفزيونيةٍ عابرة، إن حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي يكون بعودة اليهود إِلى أَوطانهم الأصلية. وسبقها رجل الأَعمال الفلسطيني، طلال أَبو غزالة، لمّا اقترح إِنشاء صندوقٍ عالمي لتمويل هذه العودة، وإن لم يكن في محله تسميته هؤلاء "لاجئين". ولم يخطئ الإخواني، عصام العريان، عندما دعا اليهود المصريين في دولة الاحتلال الإسرائيلي إِلى العودة إلى بلدهم الأصلي، وإِنْ أَخطأَ في إشارته إلى اضطهاد نظام عبد الناصر لهم، لم تثبت صحته. وأَحسن المنصف المرزوقي، في الأسابيع الأولى لرئاسته تونس، عندما زار يهوداً من رعاياه، وعندما دعا يهود تونس في إِسرائيل إِلى العودة إِلى بلدهم. وكانت نباهةً نادرةً من سيف الإسلام القذافي، لما ردَّ، مرة، على مطلب بتعويض يهود ليبيا في دولة الاحتلال، قولُه إِن بلاده مستعدة لبحث عودة يهودها من إِسرائيل، واستعادتهم جنسيتها.

أَفكارٌ غير عملية تماما، لكنها تبدو صالحة للاستخدام، وللتسلح بها إِعلاميا وقانونيا، إذا مضت إِسرائيل في بدعة "اللاجئين اليهود" هذه، وتعويضِهم بالثلاثمائة مليار دولار. ومهمٌّ أن تتوازى دعواتٌ إِلى عودة هؤلاء اليهود إِلى أَوطانهم الأَصلية، العربية وغير العربية، مع التذكير الواجب بأَنَّ فلسطين لم تكن في التفكير الصهيوني أَولوية. والإضاءة على قبول تيودور هرتزل أوغندا "دولة مؤقتة"(!) لليهود، وكذا استحسانه الأَرجنتين على فلسطين، مفيد في الزوبعة السخيفة الجديدة، طالما أَن التاريخ ذريعةُ الخرافة الإسرائيلية، ففي التاريخ، مثلا، أَن البحرين وبعض ليبيا كانا من خيارات الصهيونية الأولى.

 

  

     

دلالات
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.