عن انتخابات 2025 في العراق
بودّ ومحبّة، وضمن حدود المعرفة النسبية التي أنظر من خلالها إلى الأشياء، أقول إنّ الأحزاب والتيّارات السياسية الشبابية الجديدة، أو التي من المؤمّل تشكيلها في العراق، تشرينية كانت أو مدنية وعلمانية، وغيرها، عليها أن تعي مجموعةً من الحقائق.
أولاها، أنّ عملها سينصبّ (أو هكذا يُفترَض) على تلك الكتلة الانتخابية الهائلة التي قاطعت الدورات الانتخابية الماضية، بسبب يأسها من التغيير، وسجّلت في انتخابات 2021 أعلى نسبة مقاطعة من بين كلّ الانتخابات البرلمانية منذ 2003. إنّ التيّارات السياسية الموجودة والفاعلة لديها ما يشبه الجمهور الثابت، كوّنته من خلال علاقة ولاء عقائدي أو سياسي، أو من خلال استثمار أموال الفساد في شراء الذمم، وتكوين طبقة زبائنية مُقيَّدة بهذه الأحزاب والتيّارات، وبالتالي هي تعرف حدود جمهورها، ومن غير المتوقّع أنّ هذا الجمهور سيزداد فجأة، بل إنّ المُرجّح هو أنّه في تناقص، وخاصّة حين يجد بديلاً مناسباً يُؤشّر على اسمه في ورقة الاقتراع السرّي، من دون رقابة الحزب السابق الذي كان يدعمه.
ثاني تلك الحقائق، أنّ الأحزاب الموجودة والفاعلة تعي إمكانية وجود منافس، وأن شعبيتها يمكن أن تتناقص، لهذا هي عملت وتعمل بجهد وصبر على تكوين البديل المنسلخ منها والتابع لها بالخفاء. هناك اليوم العديد من التيّارات التي تدّعي المدنية والعلمانية، إلّا أنّها متّصلة بأحزاب معروفة في الساحة. من الضروري أن تفرز الأحزاب المدنية والعلمانية الشبابية نفسها من هؤلاء، وألّا تشترك معها في الشعارات الضبابية الفضفاضة، وإنّما يكون لديها برامج واضحة، وتكون مناهضةً للتيّارات الدينية الأصولية في ساحة العمل السياسي.
ثالثها، إنّ نسبةً كبيرةً من المقاطعين يكرهون أحزاب الإسلام السياسي، ويعتبرونها فاسدةً، بل مجرمةً، ووجودها أشبه بالأمر الواقع، الذي نتعايش معه اضطراراً لا قبولاً، لذا ليس من المعقول أن تأتي أحزاب ناشئة جديدة ذات توجّهات وطنية وتعلن الولاء للمؤسّسات الدينية. يجب أن يكون الفرز واضحاً، وأن تكون الأحزاب الجديدة وطنيةً بالكامل، ولا تعترف بالمُحدِّد الطائفي ولا الديني، وتحترم المرجعيات الدينية كلّها في البلد، لكنّها لا تخضع لإملاءاتها، وإنّما لمصالح المواطنين العراقيين بمختلف خلفياتهم.
رابعها، استفادت الأحزاب الحالية، في الفترة ما بعد 2003، من قوّة الإعلام التقليدي في الترويج لنفسها، وذهب الناس إلى تأييدها، ليس لأنّ لديها برامجَ مقنعةً، وإنّما لأنّ المشهد كان طائفياً، وكان الناخب يتلقى الشعارات الفضاضة ويتقبّلها، غير أنّ طاقة هذه الشعارات انتهت مع انتخابات 2010، وذهب غالبية الناخبين ليصوّتوا لقائمة علمانية ذات خليط شيعي وسنّي، هي القائمة العراقية.
كانت تلك الانتخابات إعلاناً من غالبية الجمهور العام عن نفض اليد من الإسلام السياسي وشعاراته الفارغة، إلّا أنّه جرى الالتفاف على إرادة الناخبين لاعادة تدوير شخصيات النظام الطائفي نفسها، ثمّ جاءت حرب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لتلقي وقوداً جديداً على الانحيازات الطائفية. النصيحة هنا للأحزاب الناشئة أنّه من الضروري العمل مع القواعد الشعبية منذ الآن لإقناعها بالبديل، لا الاتكاء على الإعلام التقليدي أو إعلام مواقع التواصل الاجتماعي، وإقناع الناس بنزاهة ونظافة يد المُرشّحين الجدد، وأنّهم غير منحازين إلّا لمصالح البلد العليا.
وفي الجهة المقابلة، من الضروري أن يعي الناخب المتذمّر واليائس من التغيير أنّه لا يوجد غير هذا المسار، ولن يأتي التغيير بضربة واحدة، وإنّما ضمن مسار مُرهِق، وقد يكون طويلاً، وسيصعد مُرشّحون إلى برلمان 2025، وسيجلسون بجوار نوّاب إسلاميين، وقد يكون بعضهم من التيّارات المُتطرّفة. فلا تفاجأ عزيزي الناخب، فهذه قواعد اللعبة الديمقراطية، ومثلما أخذ مُرشحّك الفائز مقعده، فإنّ المُرشّح المُتطرّف هناك عراقيون أجلسوه على مقعده البرلماني أيضاً.
العمل الجدّي يبدأ من الآن، والأحزاب المتنفّذة ستكون سعيدةً بضعف المشاركة الانتخابية، فهذا يجعل جمهورها فقط، هو من يُحدّد شكل البرلمان القادم، والحكومة المنبثقة عنه.