عن الحال الفلسطيني

24 نوفمبر 2014
+ الخط -
كأنَّ القاع الذي يقيم فيه الراهن السياسي الفلسطيني يزداد غَوراً. من يسمع "الإخوة" في السلطة وقيادتها وحركة فتح، يشعر بأسىً عظيم، كما من يسمع "الإخوة" من حركة حماس. والأخوّة في حديث الطرفين عن بعضهما من التقاليد الفلكلورية في مخاطبتهما بعضهما، حتى في أتون صراعاتهما البائسة.
سبع سنوات من الانقسام التافه ليست كافية، كما ثلاث حروب إسرائيلية على أهل غزة، وجولات إسرائيلية عدوانية يومية في الضفة الغربية والقطاع والقدس. مفاوضات ومصالحات وحوارات عديدة، انتهت إلى اتفاق الشاطئ إياه، ثم كأن لا شيء حدث، ولا صلحاً تم. بدا رئيس حكومة الوفاق الوطني، على ما توصف، رامي الحمد الله، في زيارته غزة، قبل أسابيع، كأنه وزير فنلندي، أو موظف رفيع في وكالة مساعدات نرويجية. ومع كل الاحترام للنيات الطيبة في المطرحين، ومع كل التقدير للمشاعر الوطنية والوحدوية عند فلان أو علان، فإن المسألة ليست هنا أبداً. إنها، بالضبط، في اهتراء شنيع يقيم فيه الحال الفلسطيني عموماً، إلى حدٍّ يسوغ سؤالاً عمّا إذا كان المشروع الوطني الفلسطيني ما زال باقياً، أم أن نعيه صار مستحقاً، ومن دون حرج.
كأن فرحة إيهود أولمرت بفوز حركة حماس في انتخابات 2006 التشريعية كانت في محلها، وقد سئل في حينه، عمّا ستقوم به إسرائيل، رداً على ذلك المنعطف الانتخابي، والسياسي والاجتماعي الفلسطيني، أجاب يومها، أن إسرائيل لن تفعل جديداً، ستقوم بالمعتاد مما يحفظ "أمنها"، غير أن الفلسطينيين سيتكفلون ببعضهم. كل هذه الثرثرة المديدة عن المصالحة الفلسطينية، وعن إعادة هيكلة منظمة التحرير، وعن انتخاباتٍ تشريعية ورئاسية مرتقبتين، لم تعد تثير رغبة في سماعها، أو الالتفات إليها، جرّاء إحباطٍ مرير صار يأخذ الفلسطيني إلى يأسٍ كثير من "حماس" ومن "فتح"، ومن محمود عباس ومن الجميع. وما أقدم عليه "مجهولون" (!)، من اعتداءاتٍ شنيعة على منازل شخصيات فتحاوية في قطاع غزة، قبل أيام، كان مجرد تذكيرٍ بما لا يحسن عدم نسيانه، وهو أن العطب الذي يقيم فيه الحال الفلسطيني أسوأ مما نحدس، إذا ما أصاب أحداً منا مسٌّ من حسن الظن. بدليل ما عقّب به فطاحل في "فتح" وفي الرئاسة الفلسطينية على ذلك الفعل المشين، والذي، من بديهي الحال، أن "حماس" تتحمل مقادير من المسؤولية عنه، إن لم تكن الجنائية، فالأخلاقية والاعتبارية التي يبررها واقع الحال في قطاع غزة.
إنها القصة المملة نفسها، والتي لا يبدو أن في وسع جرائم التهويد والاستيطان النشطة في القدس المحتلة، والمعطوفة على الاستهتار بعيش المقدسيين وكراماتهم، أن توقف سرديتها الطويلة، وفيها ما فيها من المخزي والمعيب. وفي الأثناء، تنشط اجتهاداتٌ وقراءات مقدّرة في توقع انتفاضةٍ ليست مستبعدة، وربما مشتهاة. ولكن، إذا قامت هذه الانتفاضة، والتي من المؤكد أنها ستكون مختلفة الأساليب عن سابقتيها، كيف سيكون أداء رئاسة منظمة التحرير، وهي ذاتها رئاسة السلطة الوطنية. ليس متوقعاً أن يكون في السويّة المأمولة والمطلوبة، سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً، والشواهد على سوء الظن الذي نقيم عليه، هنا، ما كان عليه أداء الرئاستين في أثناء جوائح ونوائب، كابد فيها الفلسطينيون أهوالاً من اعتداءات وجرائم إسرائيلية عديدة.
لننسَ حدوتة حماس وفتح كلها، ولننتبه إلى فلسطين ذاتها، وإلى ناسها، الصامدين والمرابطين فيها خصوصاً. ليجترح أهل الرأي والفكر والقلم أفكاراً عملية، وجدية، من شأنها تثمير صمودهم، وبقائهم في وطنهم. يقال كلامٌ كثير عن مجتمعٍ مدني ناهض في فلسطين، ما أخباره، وما جديده؟ تُرى، هل يمكن المراهنة، ولو إلى حد ما، في تصويب الأنظار إلى فعل فلسطيني ميداني آخر، خلاق، وجديد، بعيد عن القاع العميق إياه؟
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.