عن الانتخابات الرئاسية الإيرانية المُبكّرة
في انتخاباتٍ رئاسيةٍ مبكّرة، وصفها المرشد الأعلى، علي خامنئي، بأنّها "استكمال لملحمة تشييع رئيسي"، وفي ظلّ الترقّب الداخلي والخارجي للقائمة النهائية لأسماء المُرشّحين المُؤهّلين لخوض السباق الرئاسي، والتي سيُعلِن عنها مجلس صيانة الدستور الثلاثاء المقبل، 11 يونيو/ حزيران، بعد إغلاق باب استقبال طلبات الترشّح، ينظر مُحلّلون عديدون إلى هذه الانتخابات أنّها اختبار حقيقي لشرعية النظام الإيراني، وذلك بعد تتالي الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية في السنوات الأخيرة، وتراجع نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. لذلك، يرى هؤلاء أنّ الانتخابات الرئاسية المُقبلة في إيران لن تكون مُجرّد انتخابات لاختيار رئيس جديد بدلاً من الرئيس إبراهيم رئيسي، الذي قضى في تحطّم مروحية مع مجموعة من المسؤولين الإيرانيين (19 مايو/ أيّار 2024)، بل هي محاولة لإعادة إنتاج شرعيّة النظام الثورية، والحفاظ على النظام السياسي وهُويّته، خصوصاً في هذه المرحلة التي يمرّ بها النظام السياسي في إيران، والتي تتطلّب انتظام الصفوف وتوحيد الجبهات، وجعل جميع مؤسّسات النظام ضمن إرادة الولي الفقيه علي خامنئي.
انطلاقاً من ذلك، وخلافاً لرهانات بعضهم وتمنياتهم، لن يسمح النظام الإيراني في الانتخابات الرئاسية المُقبلة بلُعْبَة ديمقراطية حقيقية، فهذه الانتخابات يُتوقّع لها، كغيرها من الانتخابات السابقة، أن تكون أقرب إلى الترتيب الداخلي ضمن دوائر الحكم. لذلك، من المُتوقّع أن يلجأ مجلس صيانة الدستور إلى استبعاد المُرشّحين البارزين من التيارَين الإصلاحي والمعتدل، اللذَين مُورِست في حقّ كوادرهما عملية إقصاء كبيرة من مجلس صيانة الدستور في الانتخابات التشريعية في مارس/ آذار 2023، مع إمكانية الإبقاء على بعض الشخصيات الثانوية المحسوبة على القوى الإصلاحية والمُعتدلة، التي لا تمتلك القوّة التمثيلية، بهدف امتصاص الاحتقان الداخلي بين المواطنين، وتشجيعهم على النزول إلى التصويت لتخفيف حال الغضب الداخلي، أولاً، وللحفاظ على صورة النظام الإيراني أمام المجتمع الدولي، ثانياً.
رغم صوريّة العملية الانتخابية كلّها، إلا أنّها تُشكّل مقياساً للرأي العام وموازين القوى، في مشهد سياسي مُتخبّط
كذلك، من المُتوقّع أن يلجأ مجلس صيانة الدستور إلى استبعاد علي لاريجاني، الذي يقود التيار الأصولي المعتدل، بعد أن جرى استبعاده في انتخابات عام 2021، وكذلك، استبعاد الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، الذي يُمثّل التيار الأصولي الشعبوي، والذي استُبعد من انتخابات عامي 2017 و2021، بسبب عدم اتّساقه مع سياسة خامنئي، وجرأته على مناكفته، وخصوصاً في الوزارات المُخصّصة له كالاستخبارات. أي أنّ مؤسّسة النظام ليست في وارد السماح لأيّ طرفٍ داخلي بأن يُعرقِل هذا المسار الذي رسمته وتعمل على تنفيذه، والذي يهدف إلى ضمان عدم وجود ما يُعرقِل استراتيجية خامنئي الحالية، المدفوعة، في المقام الأول، باعتبارات تتعلّق بابنه مجتبى خليفةً له في منصب المُرشد الأعلى في إيران. ومن يقرأ آخر تصريحات خامنئي، في مراسم عزاء رسمية لذكرى الخميني في جنوب طهران، يدرك هذا الأمر، تلك التصريحات ركّزت على معيارَي الإيمان بأسس الثورة وعدم الثقة بابتسامة العدوّ، في المُرشّح الرئاسي المقبول، الأمر الذي يُؤكّد الانتقائية ويُعزّز اتهام بعضهم مجلس صيانة الدستور باللجوء إلى "التطهير الدراماتيكي"، لهندسة الانتخابات بطريقةٍ تضمن له توحيد توجّه السلطات الحاكمة في إيران، وإيجاد انسجام في صفوفها، لتهيئة الأرضية لمجتبى خامنئي ليكون الولي الفقيه الجديد بعد والده. لذلك، ليس من باب التكهّن القول إنّ الرئيس المُقبل سيكون من المُتشدّدين الأكثر ولاءً للنظام الحاكم، وقد يكون سعيد جليلي، الذي يُعدّ أكثر المُرشّحين إيماناً بسياسات النظام الإيرانية، ويشكك في الغرب أكثر من المُرشّحين الآخرين.
في المحصّلة، يمكن القول إنّه، ورغم صوريّة العملية الانتخابية كلّها، إلا أنّها تُشكّل مقياساً للرأي العام وموازين القوى، في مشهد سياسي مُتخبّط، وينذر بتطوّرات متسارعة في الفترة المُقبلة. لذلك، الكرة، الآن، في ملعب مجلس صيانة الدستور، ففي ضوء تعامله مع الترشيحات التي بلغت ثمانين ترشيحاً تتحدّد مدى المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية المُقبلة. ورغم أهمية هذا الأمر، إلّا أنّه أقلّ أهمّية لدى النظام الإيراني، والذي يبدو أنّ جلّ همّه واهتمامه مُنصبّ على تأمين استمرار السيطرة المطلقة على مفاصل الدولة، في محاولةٍ منه لإعادة إنتاج شرعيّته الثورية والحفاظ على النظام السياسي وهُويّته، وخصوصاً في هذه المرحلة، التي يرى فيها النظام الإيراني أنّ انتظام صفوفه وتوحيد جبهته، وجعل جميع المؤسّسات ضمن إرادة الولي الفقيه علي خامنئي، أكثر أهميةً من الإصغاء لصوت الشعب صاحب الشرعية الشعبية.