13 فبراير 2022
عنف "داعش" في مصر
أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن قتل 29 قبطياً مصرياً يوم الجمعة الماضي، بينما هم في طريقهم إلى دير الأنبا صموئيل المعترف، غرب مدينة المنيا في صعيد مصر. وهي المرة الثالثة التي يستهدف فيها تنظيم داعش مواطنين أقباطا، ويقتلهم على أساس هويتهم الدينية، وذلك بعد جريمتي تفجير كنيسة البطرسية في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتفجيرات "أحد السعف" التي وقعت في كنيستي مار جرجس في طنطا ومار مرقس في الإسكندرية في التاسع من إبريل/ نيسان الماضي، وراح ضحيتهما حوالي 46 شخصا، فضلاً عن عشرات المصابين.
ويظل هجوم "داعش" الجديد على حافلتين وشاحنة تقل مواطنين، بينهم أطفال، الأكثر إيلاماً ودلالة على حجم الأزمة الأمنية والسياسية التي تمر بها البلاد، والتي وصلت إلي حد تصفية مواطنين في وضح النهار من دون رقابة من الأمن، أو حماية من الدولة، ونظامها السياسي الذي يدّعي ليل نهار نجاحه في حفظ الأمن، فالهجوم تم بطريقةٍ تخلو من أي عبقرية، وتحمل كثيراً من الإجرام واللاإنسانية. فحسب شهادات من حضروا الجريمة التي نقلتها مواقع إخبارية، فقد "أوقف المسلحون الذين ترجلوا من السيارات رباعية الدفع الحافلتين والشاحنة على طريق غير ممهد، يؤدي إلى الدير، وأنزلوا الركاب، وأطلقوا النار عليهم، وقاموا بتصوير العملية بالفيديو، ثم غادروا موقع الجريمة". وتعكس طريقة تنفيذ الجريمة في منطقة وعرة، لا توجد فيها أية مرتكزات أمنية أو وسائل اتصال، حجم التخطيط والإعداد والدراسة التي قام بها المهاجمون للمنطقة وطبوغرافيتها.
ليس العنف الطائفي ضد أقباط مصر جديداً، كما أن استهداف الدواعش لهم ليس سراً، فقد أعلنوا، في أكثر من بيان قبل شهور، استهدافهم بالأساس عقيدتهم، وليس فقط لمواقفهم السياسية، وإن كان التنظيم يحاول توظيف الأزمة السياسية الراهنة للبلاد من أجل تبرير عملياته. كما يحاول الاستثمار في المواقف السياسية للكنيسة التي تدعم النظام الحالي، على الرغم من قمعه وبطشه، من أجل نزع الأنسنة عن الأقباط جميعاً، تمهيداً لتصفيتهم والتخلص منهم، تماماً كما يفعل النظام مع خصومهم، خصوصا من أنصار جماعة الإخوان المسلمين.
بيد أن الجديد هو في معدل الاعتداءات المتكرّرة التي يتعرّض لها الأقباط، وحجم الخسائر التي يوقعها التنظيم في صفوفهم، والتي تزداد مع كل عمليةٍ يقوم بها الدواعش وأنصارهم. فمنذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تزايد حجم الهجمات على الأقباط، سواء داخل الكنائس أو على أبوابها، أو في الطرقات. وبات الأمر كما لو كان كل قبطي هدفاً بحد ذاته للدواعش. وربما نشهد في المستقبل عمليات ذبح للأقباط في الشوارع. وقد فعلها التنظيم بالفعل في مدينة سرت الليبية قبل حوالى عامين.
وإذا كان من المنطقي ألا يتم تحميل مواطنين أبرياء، معظمهم من بسطاء المصريين، المواقف السياسية للكنيسة التي انحازت، ولا تزال، لنظام سياسي باطش، فإنه لا يمكن رفع المسؤولية السياسية والأمنية عن هذا النظام الذي يستخدم المسيحيين رهائن في صراعٍ سياسيٍّ شرس من أجل بقائه في السلطة.
سياسياً، يتحمل النظام الحالي المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع السياسية في مصر، والتي تزيل من حبال الأزمة التي تعصف بالبلاد من صيف 2013، ولا يزال هذا النظام يعيش حالة إنكار لوجود هذه الأزمة التي ساهمت، إلى حد بعيد، في تعميق حالة الاستقطاب والانقسام ليس فقط السياسي، وإنما أيضا المجتمعي والطائفي. وهي الأزمة التي تحول معها الخلاف السياسي إلي مدخل للقمع والقتل والتصفية، وهي التي توفر غطاءً سياسياً، بشكلٍ غير مباشر، للحركات الراديكالية للانتقام من النظام وأنصاره، خصوصا من الأقباط. صحيحٌ أن استهدافهم ليس سياسياً بالدرجة الأولى، كما أشرنا آنفاً، لكنه يعتاش على بقاء الأزمة السياسية على حالها من دون حل أو حلحلة. ولا يمكن لنظامٍ يدّعي محاربة الإرهاب والتطرّف، أن يساهم بسياساته ومواقفه الراهنة في خفض معدلات التطرّف وتوحشّه. فلم تشهد مصر معدلاتٍ للعنف السياسي والطائفي، طوال تاريخها الحديث، كالتي نعيشها الآن ومنذ أربع سنوات. في حين أن المتغير الأبرز هو قمع النظام وسلطويته التي يتغذى عليها المتطرفون لتبرير إجرامهم، أي أننا إزاء حلقة مفرغة من العنف والعنف المقابل.
أمنياً، تكشف الحالات التي تعرّض فيها الأقباط للقتل والتفجير والتهجير، الفشل الأمني الذريع للنظام في حمايتهم بوصفهم مواطنين بالدرجة الأولى. وهو فشل تتجلى ملامحه على المستويات كافة، سواء من حيث عدم توفير الحماية لهم، خصوصا بعد الإعلان الصريح للدواعش باستهدافهم، أو على مستوى الفشل في القبض على الجناة ومحاكمتهم، أو على مستوى عدم محاسبة المسؤولين عن التقصير الأمني وإقالتهم. فلا يزال وزير الداخلية المسؤول الأول نظرياً عن توفير الأمن للمواطنين المصريين، في منصبه، ولم يحاسب مطلقاً، على الرغم من الفشل الأمني الذريع الذي يدفع المواطن البسيط ثمنه كل يوم من دمه وحياته. وفي وقتٍ يبدو فيه النظام منهمكاً في تعقّب المعارضين والمخالفين سياسيا، واعتقالهم ومحاكمتهم، فإنه فشل فشلاً ذريعاً في توفير الحماية من هجمات المتطرّفين والإرهابيين. ولا تخرج "جعجعة" النظام بشأن "ضرب معكسرات الإرهابيين خارج البلاد" عن محاولة تنفيس الغضب وإبراز القوة، فأصل الأزمة في الداخل، ويظل الخارج عاملاً ثانوياً في تأجيجها.
ويظل هجوم "داعش" الجديد على حافلتين وشاحنة تقل مواطنين، بينهم أطفال، الأكثر إيلاماً ودلالة على حجم الأزمة الأمنية والسياسية التي تمر بها البلاد، والتي وصلت إلي حد تصفية مواطنين في وضح النهار من دون رقابة من الأمن، أو حماية من الدولة، ونظامها السياسي الذي يدّعي ليل نهار نجاحه في حفظ الأمن، فالهجوم تم بطريقةٍ تخلو من أي عبقرية، وتحمل كثيراً من الإجرام واللاإنسانية. فحسب شهادات من حضروا الجريمة التي نقلتها مواقع إخبارية، فقد "أوقف المسلحون الذين ترجلوا من السيارات رباعية الدفع الحافلتين والشاحنة على طريق غير ممهد، يؤدي إلى الدير، وأنزلوا الركاب، وأطلقوا النار عليهم، وقاموا بتصوير العملية بالفيديو، ثم غادروا موقع الجريمة". وتعكس طريقة تنفيذ الجريمة في منطقة وعرة، لا توجد فيها أية مرتكزات أمنية أو وسائل اتصال، حجم التخطيط والإعداد والدراسة التي قام بها المهاجمون للمنطقة وطبوغرافيتها.
ليس العنف الطائفي ضد أقباط مصر جديداً، كما أن استهداف الدواعش لهم ليس سراً، فقد أعلنوا، في أكثر من بيان قبل شهور، استهدافهم بالأساس عقيدتهم، وليس فقط لمواقفهم السياسية، وإن كان التنظيم يحاول توظيف الأزمة السياسية الراهنة للبلاد من أجل تبرير عملياته. كما يحاول الاستثمار في المواقف السياسية للكنيسة التي تدعم النظام الحالي، على الرغم من قمعه وبطشه، من أجل نزع الأنسنة عن الأقباط جميعاً، تمهيداً لتصفيتهم والتخلص منهم، تماماً كما يفعل النظام مع خصومهم، خصوصا من أنصار جماعة الإخوان المسلمين.
بيد أن الجديد هو في معدل الاعتداءات المتكرّرة التي يتعرّض لها الأقباط، وحجم الخسائر التي يوقعها التنظيم في صفوفهم، والتي تزداد مع كل عمليةٍ يقوم بها الدواعش وأنصارهم. فمنذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تزايد حجم الهجمات على الأقباط، سواء داخل الكنائس أو على أبوابها، أو في الطرقات. وبات الأمر كما لو كان كل قبطي هدفاً بحد ذاته للدواعش. وربما نشهد في المستقبل عمليات ذبح للأقباط في الشوارع. وقد فعلها التنظيم بالفعل في مدينة سرت الليبية قبل حوالى عامين.
وإذا كان من المنطقي ألا يتم تحميل مواطنين أبرياء، معظمهم من بسطاء المصريين، المواقف السياسية للكنيسة التي انحازت، ولا تزال، لنظام سياسي باطش، فإنه لا يمكن رفع المسؤولية السياسية والأمنية عن هذا النظام الذي يستخدم المسيحيين رهائن في صراعٍ سياسيٍّ شرس من أجل بقائه في السلطة.
سياسياً، يتحمل النظام الحالي المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع السياسية في مصر، والتي تزيل من حبال الأزمة التي تعصف بالبلاد من صيف 2013، ولا يزال هذا النظام يعيش حالة إنكار لوجود هذه الأزمة التي ساهمت، إلى حد بعيد، في تعميق حالة الاستقطاب والانقسام ليس فقط السياسي، وإنما أيضا المجتمعي والطائفي. وهي الأزمة التي تحول معها الخلاف السياسي إلي مدخل للقمع والقتل والتصفية، وهي التي توفر غطاءً سياسياً، بشكلٍ غير مباشر، للحركات الراديكالية للانتقام من النظام وأنصاره، خصوصا من الأقباط. صحيحٌ أن استهدافهم ليس سياسياً بالدرجة الأولى، كما أشرنا آنفاً، لكنه يعتاش على بقاء الأزمة السياسية على حالها من دون حل أو حلحلة. ولا يمكن لنظامٍ يدّعي محاربة الإرهاب والتطرّف، أن يساهم بسياساته ومواقفه الراهنة في خفض معدلات التطرّف وتوحشّه. فلم تشهد مصر معدلاتٍ للعنف السياسي والطائفي، طوال تاريخها الحديث، كالتي نعيشها الآن ومنذ أربع سنوات. في حين أن المتغير الأبرز هو قمع النظام وسلطويته التي يتغذى عليها المتطرفون لتبرير إجرامهم، أي أننا إزاء حلقة مفرغة من العنف والعنف المقابل.
أمنياً، تكشف الحالات التي تعرّض فيها الأقباط للقتل والتفجير والتهجير، الفشل الأمني الذريع للنظام في حمايتهم بوصفهم مواطنين بالدرجة الأولى. وهو فشل تتجلى ملامحه على المستويات كافة، سواء من حيث عدم توفير الحماية لهم، خصوصا بعد الإعلان الصريح للدواعش باستهدافهم، أو على مستوى الفشل في القبض على الجناة ومحاكمتهم، أو على مستوى عدم محاسبة المسؤولين عن التقصير الأمني وإقالتهم. فلا يزال وزير الداخلية المسؤول الأول نظرياً عن توفير الأمن للمواطنين المصريين، في منصبه، ولم يحاسب مطلقاً، على الرغم من الفشل الأمني الذريع الذي يدفع المواطن البسيط ثمنه كل يوم من دمه وحياته. وفي وقتٍ يبدو فيه النظام منهمكاً في تعقّب المعارضين والمخالفين سياسيا، واعتقالهم ومحاكمتهم، فإنه فشل فشلاً ذريعاً في توفير الحماية من هجمات المتطرّفين والإرهابيين. ولا تخرج "جعجعة" النظام بشأن "ضرب معكسرات الإرهابيين خارج البلاد" عن محاولة تنفيس الغضب وإبراز القوة، فأصل الأزمة في الداخل، ويظل الخارج عاملاً ثانوياً في تأجيجها.