عندما تنتظر بيروت تدخلاً أميركياً لحسم ملف الغاز
طفت على سطح الأحداث، أخيرا، في لبنان ومنطقة شرق المتوسط، قضية استقدام إسرائيل سفينة يونانية إلى حقل "كاريش" الواقع على خط الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، بهدف إنتاج النفط والغاز من هذا الحقل الغني بهما، وفق الدراسات والاستكشافات السابقة. وقد أثارت الخطوة الإسرائيلية التوتر على طرفي الحدود في ضوء عدم التوصل إلى اتفاقات لترسيم الحدود البحرية بين كيان الاحتلال ولبنان، ولوقوع هذا الحقل في المنطقة المتنازع عليها، بالنظر إلى أنّ لبنان يعتبر أنّ جزءاً من حقل "كاريش" يقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة له شمال الخط البحري 29، فيما لا تعترف إسرائيل بهذا الخط ولا بحقوق لبنان في تلك المنطقة.
على مدى عقد تقريباً، تولّت الولايات المتحدة وساطة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بينهما، غير أنّ هذه الوساطة لم تُقنعهما، وقد تقدّم الوسيط الأميركي الحالي آموس هوكشتاين، في آخر زيارة له إلى بيروت، باقتراح يقضي برسم خط بحري متعرّج، يعطي لبنان حقل "قانا" بالكامل، في مقابل أن تأخذ إسرائيل حقل "كاريش" بالكامل، متخلّياً بذلك عن الاقتراح الذي تقّدم به سلفه فريدريك هوف الذي اقترح خطاً وهمياً، عُرف يومها بخط هوف، وكان يقضي باقتسام المنطقة بين الخطين رقم 1 ورقم 23 بين الطرفين، بحيث يستفيد لبنان من مساحة 500 كيلومتر مربع مقابل أن تستفيد إسرائيل من مساحة 360 كيلومتراً مربعاً تقريباً هي إجمالي مساحة المنطقة بين الخطّين، ولكن الاقتراح سقط لأن لبنان رفضه في حينه. واليوم وأمام هذه الأزمة المستجدّة والمتطوّرة، وبعد أن شرعت إسرائيل في عملية إنتاج النفط والغاز من حقل كاريش، استدعى لبنان الرسمي الوسيط الأمريكي هوكشتاين إلى بيروت من أجل إعادة تفعيل المفاوضات عبره، وبهدف نزع التوتر، والتوصل إلى حلّ يحفظ حق لبنان في ثروته ونفطه وغازه.
الخط 29 هو خط الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبالتالي، أيّ تنازل عنه يُعدّ بمثابة خيانة عظمى للحقوق والثروة الوطنية اللبنانية
رفض المسؤولون في لبنان في مواقع المسؤولية الرسمية الخطوة الإسرائيلية، واعتبروها بمثابة اعتداء على لبنان وسرقة لحقوقه، وطلبوا عودة الوسيط الأميركي إلى بيروت، غير أنّه، وعلى الرغم من الحديث عن وصول هوكشتاين إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل، فإنّ أيّ موقف أو كلام رسمي أميركي لم يصدر بهذا الخصوص، بل على العكس، جرى تداول معلومات في بيروت عن مصادر في السفارة الأميركية مفادها أنّ عودة هوكشتاين إلى بيروت مرهونة ومشروطة بموافقة لبنان سلفاً على اقتراحه لحلّ أزمة الحدود (الخط المتعرّج)، وهو ما رفضه لبنان سابقاً، وما لا يريد أن يقرّ به خطيّاً حالياً، خصوصا أنّ المسح الذي قام به الجيش اللبناني لمنطقة الحدود أثبت، بما لا يدع أيّ مجال للشكّ، أنّ الخط 29 هو خط الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وبالتالي، أيّ تنازل عنه يُعدّ بمثابة خيانة عظمى للحقوق والثروة الوطنية اللبنانية، وهو ما لا تستطيع أيّة جهة في لبنان أن تتحمّل وزره حالياً على أقلّ تقدير.
في موازاة ذلك، حزب الله، كقوّة مسلّحة وجزء من القدرة والقوّة التي يمتلكها لبنان، إلى جانب قدرة الجيش وقوته، رفض التنازل عن الحقوق، وطالب السلطة السياسية بموقف واضح من مسألة الحدود، وقال إنّه يقف خلفها في عملية حماية الحقوق واستثمارها، ولكنه يرفض التنازل عن أيّة ذرّة من هذه الحقوق. وتعهّد أمين عام الحزب، حسن نصر الله، بحماية الثروة النفطية والغازية اللبنانية، ومنْع إسرائيل من استخراج النفط والغاز من حقل كاريش أو من غيره، وأكّد امتلاك المقاومة القدرة على ذلك، وحذّر من أنّ أيّة "مغامرة" إسرائيلية ستكون كلفتها عالية جدّاً على إسرائيل، وكأنّه أعطى مهلة أيام لإسرائيل لوقف عملية استخراج الغاز، والتوصّل إلى اتفاق عبر الوسيط الأميركي، وبما يحفظ للبنان ثروته، ويمكّنه من استخراجها، والتصرّف بها لمعالجة أزمته الاقتصادية، وإلاّ فإنّ نفاد هذه المهلة سيكون كفيلاً بفتح كل الاحتمالات، بما في ذلك ضرب سفينة الإنتاج وقصفها، حتى لو أدّى ذلك إلى حرب جديدة ومفتوحة، وهذه المرّة قد تكون حرب وجود وليس حرب حدود وحقوق فحسب.