علي البدري 2016

23 يناير 2016

علي البدري.. ناصري الستينيات ورجل الأعمال الفاسد في التسعينيات

+ الخط -
ذاع، أخيراً، أن جزءاً سادساً من مسلسل "ليالي الحلمية" يجري الإعداد لإنتاجه، من إخراج مجدي أبو عميرة، وكانت عروض الجزء الخامس قد بدأت في العام 1995. ربما تعدّ الفكرة جذّابة، غير أن التراجع المريع في مستوى الجزأين، الرابع والخامس، عن أجزائه الثلاثة السابقة، البديعة والشائقة، وجميعها سيناريو وإخراج الراحلَيْن، أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ، لا تبعث على اطمئنانٍ مسبق إلى جودة الجزء الموعود، والذي طالعنا أن أيمن بهجت قمر أنجز كتابة بعض حلقاته، والمتوقع أن تأخذ في الاعتبار التحولات الاجتماعية والسياسية الكبرى في مصر في العشرين عاماً الماضية. وفي البال أن حكايات المسلسل الشهير (160 حلقة) ومساراته الدرامية تبدأ أواسط الأربعينيات، وتكتمل في سنوات التسعينيات الأولى. وفي أثنائها، تحضر أبرز المنعطفات والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر.
توفي، قبل أيام عن 57 عاماً، الفنان ممدوح عبد العليم الذي ساهم أداؤه في "ليالي الحلمية" في صعود نجوميته وشعبيته ممثلاً متفوقاً. وقد أدى شخصية الشاب الناصري المتحمس الذي صار رجل أعمال، علي البدري، في هذا العمل الذي يعدّ من علاماتٍ لافتة في كلاسيكيّات الدراما التلفزيونية المصرية وأرشيفها. والزعم، هنا، أن التملي في هذه الشخصية يساعد في معاينة مسار التحولات العميقة في مصر، منذ ستينيات جمال عبد الناصر وخمسينياته، وصولاً إلى تسعينيات حسني مبارك، ما يسوّغ سؤالاً عمّا قد يكون عليه علي البدري، في العام الجاري 2016، في زمن عبد الفتاح السيسي وانقلابه العسكري وبرلمانه (المنتخب؟) أخيراً، بعيداً طبعاً عن أن الفنان الراحل نفسه، صاحب دور الشخصية المتحدّث عنها، كان شديد التأييد للجنرال السيسي.
ماتت أمه في أثناء ولادته قبيل ثورة يوليو 1952، وهي فلاحة من وسط شعبي، تزوّجها سليم البدري الثري، في زواجٍ ثان على زوجته الأرستقراطية. عاش في منزل خالته وزوجها. في يفاعته وشبابه، وفي أثناء دراسته الجامعية، كان شديد الحماس للرئيس عبد الناصر والخيار الاشتراكي. وتصدمه خيبة هزيمة يونيو/حزيران 1967. وفي تلك الأجواء، يجد نفسه في السجن، لتبرّمه من الأوضاع، ثم يُصاب بصدمةٍ عاطفيةٍ حادة، بسبب اقتران الفتاة التي أحبها من غيره، وكانت تبادله الحب، وهو الذي رفض بعثة تعليمية في الخارج ليبقى في مصر معها. ومع مسار تفاصيل كثيرة، تتعلق بانخراطه في أعمال والده، رجل الأعمال الذي كان من (ضحايا) الناصرية، والذي لم يورّطه هذا الأمر في ضغينةٍ تجاه بلده، يصبح علي البدري رجل أعمال واعداً، تتطور أموره، ويصير انفتاحياً متطرفاً مع تنامي أعمال والده المتجدّدة في المرحلة الساداتية، ثم في زمن مبارك. ويتعرّض علي البدري إلى توتراتٍ عاطفية بسبب مراوحة علاقته بحبيبته الأولى التي يتزوجها فترة، ويتزوّج زميلة لها أيضاً. وفي الأثناء، يتخفف كثيراً من الحمولات الاشتراكية والناصرية التي غشيته في عشرينياته، فلا يكترث لحقوق العمال والموظفين في شركاته، ويجد نفسه في السجن، في قضية فسادٍ هذه المرة. وتعكس هذه التحولات الارتداد الذي صار عليه، بعد أن كان اشتراكياً وقومياً حالماً، وقد أصبح، في العقد الخامس من عمره، من علامات الفساد والكسب السريع والتربّح وضعف الإحساس بالآخرين.
تُرى، في السبعينيات من عمره، وفي زمن ما بعد مبارك، في عهد فسادٍ عميم وتسلط ظاهر، وانكشافٍ اجتماعي أمام انقسام سياسي حاد في مصر، ما هي صورة علي البدري التي يمكن أن يتبدّى عليها في 2016؟ رحم الله الراحلَين، أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ، لا مدعاة لتخمين ما كانا سيتخيّلانه. ولكن الصورة الأرجح لرجل الأعمال الفاسد، المصدوم عاطفياً، السجين الناصري العتيق، أنه سيكون صاحب محطة تلفزيونية فضائية، وعضواً في تكتل "في حب مصر" في البرلمان المصري الراهن، تمّت براءته من تهم فسادٍ رُمي بها قبل ثلاثة أعوام، وداعيةً صنديداً للتصدّي بحزم لبقايا "مؤامرة 25 يناير". هل سيكتبه هكذا أصحاب الجزء السادس من "ليالي الحلمية"، أم أن الفرح بالسيسي وعظمة "إنقاذه" مصر أوْلى؟
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.