ضمّ الأراضي من أوكرانيا إلى فلسطين
تضمّ روسيا أربع مقاطعات أوكرانية، ما يشكل نحو 20% من مساحة هذا البلد، في خطوة غير مسبوقة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، تعدّ على درجة عالية من الخطورة، لأنها تشكل تجاوزا خطيرا للقانون الدولي، واستدعت استنكارا وتنديدا عالميا، وهذا أقلّ ما يمكن القيام به تجاه اعتداء صريح على سيادة دولةٍ مستقلةٍ، وانتهاكٍ لوحدتها الترابية التي سبق لروسيا أن اعترفت بها، حين استقلّت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991. واعتبرت ردود الفعل الدولية أن الاستفتاء، الذي نظّمته روسيا في مقاطعات لوغانسك، دونتيسك، زابوروجيا، وخيرسون، غير قانوني وغير شرعي، وانتهاك صارخ للمبادئ الراسخة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، وجاء في سياق الاعتداء الروسي المستمر، واحتلال أجزاء واسعة من أرض أوكرانيا، وهو بذلك ينتهك اتفاقيتي لاهاي وجنيف الرابعة، اللتين تؤكّدان على حماية حقوق الأطراف في ظل الحرب، وحصول احتلالٍ لأراضي الغير. وهذه أبرز نقاط القوة وحجج الطعن التي تقوم، أولا، على أن الاستفتاء حصل في ظل وجود قوات الاحتلال الروسي، وفي انتهاك صريح للدستور الأوكراني صاحب الولاية على هذه الأراضي. وثانيا، بعد تهجير أعداد كبيرة من سكان المقاطعات الأربع التي تحوّلت إلى ساحة حرب، وبالتالي، اقتصار التصويت على الموالين لروسيا، والمُجبرين على قبول العملية بسبب الخوف على حياتهم.
الاستفتاءات الروسية صورية، وذريعة كاذبة لمحاولة ضمّ أجزاء من أوكرانيا بالقوة، عدا عن أن الأرقام التي أعلنتها سلطات الاحتلال الروسي عن أعداد المصوّتين على الالتحاق بروسيا بعيدة كل البعد عن الواقع الفعلي. وسبق أن أظهر استطلاع حصري لشبكة سي أن أن أجري في فبراير/ شباط الماضي، قبل الغزو الروسي مباشرة، أنه ليس هناك أكثر من واحد من كل خمسة أشخاص يدعم الوحدة الأوكرانية مع روسيا، وينطبق ذلك حتى على منطقة الشرق التي تعيش فيها أعلى نسبة من الموالين لروسيا، والنسبة الأكبر من بين هؤلاء من أصول روسية، وتقاتل إلى جانب الجيش الروسي منذ عام 2014. وبناءً على ما سبق، لا يمكن بأي حال اعتبار هذه الاستفتاءات ممارسةً لحق تقرير المصير، وبالتالي، هي ساقطة قانونيا، ولا تعدّ ملزمة لأوكرانيا.
يمكن للموقف الدولي أن يلعب دورا مؤثّرا في مساندة أوكرانيا التي تقاتل لتحرير المقاطعات الأربع، وهذه ليست المرّة الأولى التي يُتّخد فيها موقف دولي من هذا القبيل، وسبق أن واجه ضمّ الكويت إلى العراق بالقوة العسكرية عام 1990، إلا أن المجتمع الدولي لم يتحرّك في أكثر من سابقة، مثال ذلك عندما ضمّت إسرائيل الجولان والقدس، رغم أن قرارات الأمم المتحدة تعتبرهما أراضي محتلة. وما كان لذلك أن يحصل أو يستمر، لو لم يقف العالم متفرّجا أو مؤيدا كما هو موقف الولايات المتحدة التي شجّعت سياسات الضم الإسرائيلية ودعمتها، ومن ذلك عملية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية المحتلة، في انتهاكٍ صريحٍ لقرارات الأمم المتحدة.
اعتبر وزير خارجيّة الاتّحاد الأوروبي جوزيب بوريل أنّ ضمّ موسكو أربع مناطق أوكرانيّة يجعل انتهاء الحرب في أوكرانيا "شبه مستحيل". وهذا استنتاجٌ بديهيٌّ يتأكّد كل يوم على أرض الواقع في النزاع العربي الإسرائيلي منذ 1948، والسبب سياسات إسرائيل التي بدلا من أن ترضخ للقانون الدولي، تواصل سياسات ضمّ الأراضي تحت ذرائع مختلفة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، ويجري وضع اليد على أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم. وإلى أمدٍ منظور، من غير المنتظر أن يغادر المجتمع الدولي سياسة الكيْل بمكيالين، ويتفهم المقاومة الفلسطينية ضد سياسة الاستيطان الإسرائيلية، مع أن لضم الأراضي اسما واحدا من أوكرانيا إلى فلسطين.