ضرب الحبيب وأكل الزبيب
كان ولعي الأول بممثلة جميلة مثل أي مراهقة صغيرة، ولعي بالممثلة شيرين حين رأيتها أول مرة في مسلسل كوميدي بعنوان "عيون"، وكانت وقتها تذوب رقّة ونعومة، حتى تخيلت أن زوجها لا يجرؤ على الاقتراب منها، لكي لا يخدش ذلك الكائن الجميل. إلى أن فوجئت بخبر في مجلة فنية شهيرة وقتها عن تعرّضها للضرب المبرح على يد زوجها، إلى درجة أنها حرّرت محضرا في قسم الشرطة وهي تنزف دماً من فمها.
هكذا كان اكتشافي الأول أن الجميلات يضربهنّ أزواجهن، وأنهن سيئات الحظ، وأن المرأة المشهورة تتعرّض للضرب مثل المرأة التي لا تعرف الدنيا خارج حدود بيتها. ولذلك اتبعتُ نصيحةً منذ زمن بعيد، وكنت أحسبها كذلك، ولكنها لم تكن سوى تكريس لسياسة الخوف داخلي، الخوف الذي يولد في قلب المرأة لكونها أنثى، ولكي تبقى ضعيفة مستسلمة، كما أراد لها الجنس الآخر أو الفكر الذكوري، وكنت أسمع النصيحة وأطرق رأسي من دون اعتراض، حتى أصبحت مثل أي امرأة أخرى، تدفع ثمن اختيار الرجل الخطأ، حتى آخر يوم في حياتها.
لستُ أنسى اليوم الأول الذي ضربني فيه ذلك الرجل. يومها بكيت، ولكن الجميع أخبرني أن الأمر طبيعي، فإن لم يضرب الرجل زوجته فمن يضرب؟ وهنا التفت الرجل العجوز المتفجر بعفن الأفكار والمعتقدات، مثلما يتفجر وجهه بالغضون والتجاعيد، وقال لي حكاية مقيتة عن إخلاص الزوجة لزوجها، أو ما ينبغي عليها أن تفعله. أخبرني أن الجدّات قديماً، وكن صابراتٍ قانعاتٍ راضيات، يمضين وقتهن في غياب الرجل في الحقل، يربّين الطيور والأطفال في فناء واحد، حتى إذا ما قاربت الشمس على المغيب، تقف الواحدة أمام باب البيت، وهي تضع صينية الطعام فوق رأسها، وتحمل سوطاً بيدها، وتكشف عن ساقها بيدها الحرّة الطليقة. وفي كل فعل رسالة موجهة إلى الزوج، فهو سوف يأكل، لأنه يعود جائعا، وسوف يضربها بالسوط الذي تحمله بيدها، لو عاد غاضبا أو احتاج لكي يروّح عن نفسه، وسوف يضاجعها في نهاية الأمر، وهي مستعدّة لذلك كله، لأنها زوجته. .. ومن غيرُها يحتمل هذا كله؟
وكان عليّ أن أصمت، وهو يضربني للمرّة الأولى أمام هذه القصة التي سمعتها مرارا وتكرارا من النساء قبل الرجال في العائلة، وكأنها وصيةٌ أو إرثٌ يتناقله الجميع لتكريس مفهوم مهم، يجب أن يصل إلى كل زوجة شابّة جديدة؛ وهي أنها سوف تُضرب على يد الزوج، ولن يغير ذلك شيئا، فسوف تستيقظ في الصباح لتُعدّ الفطور وتعتني بالصغار، وينطلق هو إلى عمله، وكأنه لم يفعل شيئا، وفي داخله تتعاظم تلك المشاعر بأنه صاحب حق، وصاحب الحق هذا يكذِب الكذبة ويصدّقها، فهو ضعيفٌ أمام والده وإخوته الذكور، ولكنه أمام هذا الكائن المسمّى زوجته، فهو يشعر بأنه صاحب حق في أن يرفع يده ليضرب ويلطم، ويجد في ذلك متعةً أو يشعر بالرضا. وفي النهاية، هو قد تربّى على ذلك، وهناك من يشجّعه أو يشدّ على يده للاحتفاظ بدليل رجولته وتفوّقه الأوحد.
في المرّة الوحيدة التي كنت أعترض فيها على ضربه لي، كنت أسمع تلك الوصية المقيتة التي صدّقتها، ووجدت أن عليّ أن أفعل مثل تلك المرأة الخارقة التي لا بد من أنها لم تعترض، وإلا لاختفت ظاهرة ضرب الزوجات في العالم، ولكنها سكتت، وظلت تخفي آثار الضرب بطبقةٍ من البودرة الرخيصة، وظل يكرر فعلته، فلم تجد ضرورة لكي تخفيها. وحين تذهب لزيارة بيت أبيها تخفي كل ما يحدث لها، وتترك الأب يبتسم في رضا، ويطمئن إلى بطن ابنته المكوّرة التي سوف تثبّت قدميها في بيت الغريب.
وهكذا كنت أجلس صامتة أمام أخبار ضرب عريس مصري عروسه يوم الزفاف في الشارع، وعدم اعتراضها، واعتبارها ما حدث ضرب الحبيب الذي يشبه أكل الزبيب. .. يبدو أن النصيحة السابقة قد وصلت إلى مسامعها وطبّقتها بحذافيرها.