صديقك الشيوعي يسلم عليك

06 فبراير 2016
+ الخط -

يكتبُ لي "فيسبوك"، حينما أحظرُ شخصاً ما من قائمة أصدقائي عبارة (نأسف لتعرضك لهذه التجربة). أما أنا فقلما آسَفُ، لأن أعصابي، في الأساس، باردة، ومن عادتي أن أتحمل مشاكسات المشاكس، وغلاظات الغليظ، حتى يصبح حظرُه أمراً لا مندوحة منه.

ولكن، يجدر بي أن أكونَ كالبعثيين، دقيقةً واحدة، وأمارسَ النقد على ذاتي، فأقول إن حظر أصدقاء "فيسبوك" ينطوي على الكثير من الفوقية، والتكبر، واستعراض العضلات، والعدوانية، مع ادّعاء التواضع! ولكنه، في بعض الحالات، يتحول إلى أمر طريف، ومسلٍّ. فمثلاً، حظرتُ، في الأشهر الأولى للثورة، صديقاً صحفياً كان يمثل علينا، طوال حكم الديكتاتور حافظ الأسد ووريثِه، دورَ المعارض الشرس، ويوهمنا بأن زاويةً واحدة من زواياه، لا يزيد عدد كلماتها عن الخمسين، تجعلُ عظام رقبة رئيس الوزراء، عبد الرؤوف الكسم، ترتجف. وإذا كتب زاوية من مائة كلمة، اللهم عافنا، يصابُ قلبُ اللواء جميل حسن بالهلع، ويرسل دورية مؤللةً لاعتقاله، وإذا كتبَ شيئاً من قفا يده، فإن وزيرة الثقافة، نجوة قصاب حسن، تباشر بتحزيم حقائبها تمهيداً لإخلاء الوزارة وتسليمها، بلا تذمر، للدكتور رياض عصمت. وكان يُشيع في الأوساط الثقافية أن الدخول إلى مكتبه، في النهار، يُعْتَبَرُ شبهة أمنية، وأن مجالسته في مكان عام أمام أعين البصاصين يحتاج إلى شجاعة استثنائية.. ولكنه، حينما قامت الثورة، تَذَكَّرَ أنه عَلَوي.. فإذا استمع إلى مئات الألوف من المتظاهرين يهتفون: واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد، يقول: كذّابون، إنها ليست ثورة شعبية، بل هي تمرد سني. ويضيف إن أهل السنة المتوحشين يريدون أن يرسلوا العلويين إلى التابوت، والمسيحيين إلى بيروت.. حاولتُ تذكيره بأقواله السابقة عن إجرام نظام الأسد، واستبداده وديكتاتوريته، ونهبه الثروة الوطنية السورية، فلم أفلح، بل إنه ارتدى ثياب الجد، وطلب مني ألا ألفظ اسم بشار الأسد من دون أن أسبقها بعبارة (السيد الرئيس).. فحظرتُه.

على الطرف المقابل، كان ثمّة مثقف يساري معروف، تَذّكَّر، في أوائل الثورة، أنه سني. وبدأ يروّج الفكرة القائلة بأن الثورة سنيّة، وأنه يجب تخليص البلاد من العلويين، وإعادتهم إلى قراهم الجبلية، ومنعهم من المشاركة في أية سلطةٍ تقام في البلاد لاحقاً (هذا إذا بقي في سورية بلاد).. والطريف أنني حينما ذهبتُ إلى صفحة هذا الكائن لأحظرَه، وجدتُها غير متوفرة. وحينما استفهمتُ عن السبب، قيل لي إنه حظرني بسبب "بوست" صغير، نشرته على صفحتي، قلتُ فيه إن الإنسان البسيط الذي يعيش على الفطرة، يمكن أن نتفهم كونه طائفياً، أما المثقف إذا كان طائفياً فهو لا يعدو كونه حماراً معبأ في بنطلون.       

ولتكتمل الصورة، أقول إنني أحظر أشخاصاً ليسوا أصدقائي أساساً. ولكن بروفايلاتهم تمر أمامي في أثناء تقليبي الصفحات.. وكل مَنْ يضع في بروفايله صورة حافظ الأسد، أو وريثه القاصر، أو صدام حسين، أو عبد الفتاح السيسي، أحظره. والشيء الطبيعي، أيضاً، أن أحظر مَن يضع صورة حسن نصر الله، أو البغدادي، أو الجولاني... وأظن أنني سأعثر، في قابل الأيام، على شخصيات ذات وزن ثقافيٍّ، لا يقل عن وزن الشاعر نزيه أبو عفش، تضع صورة المجرم فلاديمير بوتين في بروفايلاتها، وسوف أحظرهم بالطبع.

ولعل أكثر قوم (تحاظرتُ) معهم، هم الرفاق الشيوعيون، فكثيراً ما يمر أحدُهم بصفحتي، بعد طول انقطاع.. يعثر على "بوستٍ" لي أهاجم فيه الإسلاميين المتشددين، فيظن أنني أقف في خندق الممانعة، مولعٌ بمحاربة طواحين الهواء و(الإرهاب)، فيحييني، ويحيي تاريخي النضالي، ويخاطبني بلقب عزيز نيسين سورية. ومن شدة فرحه بي، يسارع للتجوال في صفحتي، فيصدمه أنني لست مؤيداً للأسد، ولا لنصر الله، ولا لجيش أبي شحاطة، فيحظرني ويمشي،... أو يسبني، ويسب نضالي وتاريخي، فأحظره وأمشي.. وهكذا.     

 

    

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...