شوقي قلباً للهجوم

01 يوليو 2018
+ الخط -
شوقي الذي يتحدثُ عنه صديقُنا الفنان والأديب الساخر ماهر حميد في كتاباته الفيسبوكية، أصلُه من بلدتي، معرتمصرين، وقد أمضى فترة قصيرة من حياته في مدينة مَعْدَان، حينما كان والدُه أبو الشوق كاتباً في محكمة الصلح المدنية. 
هذا ما تداولنا فيه، ماهر حميد وأنا، خلال لقائنا قبل حوالي أسبوعين، وأكد لي ماهر أنه كان يرى شوقي في مَعْدان حاملاً حقيبةَ التدريب، يمشي على رؤوس أصابع قدميه بخُيلاء وعنجهية، وكأنه انتهى للتو من تحرير فلسطين والجولان واللواء السليب، وفي طريقه الآن إلى تحرير عقول أبناء الشعب العربي من الخرافات.
قال ماهر: ترسّخت لدي قناعة راسخة بأن شوقي حقير، وواطي، منذ أيام مَعْدان، فقد كان عدوانياً على نحوٍ لا يطاق، الويل لِمَنْ ينظر إليه، حتى ولو بالخطأ، نظرةً لا تُريحُه، فتراه ينطّ ولا يحط، يهدّد ويتوعد بأنه سيفعل بالناظر إليه، وبعِرْضه.. وفي إحدى المرات، جاءت دورية من الشرطة لتلقي عليه القبض، بعدما اعتدى على ولد عابر بالضرب، وسب أخت الولد ووالدته.. وبمجرد ما رأى عناصرَ الدورية ينزلون من سيارتهم "الجيب واز"، صاح صيحةً تشبه الزئير، وأجرى واحدةً من القفزات الأكروباتية التي كان يجرّبها في ملعب التدريب، وسب رجال دورية الشرطة، متعرضاً لأمهاتهم وأخواتهم بالسوء، وقفز فوق تلةٍ ترابيةٍ، وأمسك بيديه أعلى سور مرتفع، وقفز مرة ثانيةً ليصبح، على إثرها، في الطرف الآخر من السور، مستغلاً كسل رجال الشرطة وعدم مقدرتهم على الجري والقفز.
قلت لماهر: أنا أعرف شوقي منذ كان يلعب في فريق "بيدر الرام"، وكان عندنا، في معرتمصرين، حارس مرمى شبيه بحارس مرمى كولومبيا ذي الشعر الطويل المتجعد الذي كان في أحد المونديالات القديمة يترك المرمى، ويذهب إلى مؤازرة خط الهجوم.
وفي إحدى المباريات غير الرسمية، استغل شوقي انشغال حارس المرمى بمؤازرة المهاجمين، وسجل هدفاً في المرمى الخالي، ووقتها كبرت الحكاية في رأسه، وصار يمشي في أزقة البلد على العريض، ويسعل ويضحك بحقارةٍ كلما التقى بإحدى الفتيات، وإذا ضربت الحميةُ أحدَ الشبان، وتقدّم للدفاع عن الفتاة، كان يستلّ السكين الكندرجية من خصره، ويهجم عليه، ويطعنه في خاصرته، ثم يهرب، وكان المسكين أبو شوقي يمضي معظم أوقاته في الأخذ والرد مع أهالي الشبان الذين اعتدى عليهم ابنُه، وغالباً ما يُرى وهو يحمل تحت إبطه صندوقاً من الشوكولاته، ليزور الفتى المصاب في بيته، ويطيّب خاطر أهله، وبالطبع فإنه لا يستطيع أن يقنعهم بوقوفه على الحق إلا إذا سب على ابنه شوقي، وعلى أم شوقي الحقيرة التي طلقته، وغادرت البلدة إلى بيروت، حيث تزوجت رجلاً سَرْسَرِيَّاً مثلها.
قال ماهر: نعم، وانتقل إلى الشام، كما تعلم، وصار يحضر تدريبات فريق الشباب الوطني، ويساعد المدرب واللاعبين في جمع الكرات التي تشرُد خارج مستطيل اللعب، وهذا ما جعل المدرب يُشفق عليه، ويسمح له بالتدرب مع الفريق. وخلال زمن قصير، استطاع أن يقنع المدرب بأنه قادرٌ على تسجيل أهدافٍ بطريقة دبل كيك بالقدم، ثم كيك بالرأس، ومن حسن حظه أنه جرّبها مرة، فنجحت، ووقتها رشّحه المدرب لإشغال مركز قلب هجوم منتخب الشباب. ولكنه، في المباريات التدريبية اللاحقة، أثبت أنه يلعب بحيونة، ولا يجيد مهارات إيقاف الكرة، والتمرير، والمراوغة، إضافة لضعف لياقته البدنية الناجم عن إفراطه في التدخين. وعلى إثر ذلك، أشاع بين الناس أنهم رفضوه لأن جهات مرتبطة بالدوائر الصهيونية والإمبريالية تآمرت عليه. ولعلمك، فإنه استمر في عشقه كرة القدم، وبذل محاولاتٍ مستميتةً لكي يصبح لاعباً شهيراً يُبَاع ويُشْتَرى، من دون جدوى، إلى أن جاء من أقنعه بأنه، وهو على هذا القدر من الدونية والانحطاط، يصلح للعمل في السياسة أكثر مما يصلح للعب كرة القدم. وهذا ما كان.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...