شعبية السوداني في عراقٍ مضطرب

01 يونيو 2023

محمد شيّاع السوداني في مؤتمر في بغداد عن التنمية (27/5/2023/الأناضول)

+ الخط -

تولّى السياسي العراقي محمد شيّاع السوداني رئاسة مجلس الوزراء العراقي بنسختها الثامنة في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2022، بعد انسحاب مقتدى الصدر من العملية السياسية بسبب خلافات سياسية مريرة بين الكتل العراقية السياسية النافذة بشأن موضع الأغلبية السياسية أو التوافقية في اختيار المنظومة الوزراية رافقتها احتجاجات شعبية وأعمال عنف ووقوع عشرات الضحايا. وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر على تسنم السوداني مهامه الصعبة وسط أجواء سياسية معقدة وغير مضمونة، وخصوصاً أن لدى "الإطار التنسيقي" الذي رشّح السوداني بقوة لهذا المنصب ما يكفي من المشكلات مع أطراف سياسية وشعبية عدّة في العراق بسبب قربه المباشر والمعلن من إيران، وأيضاً بسبب تولي أكثر من كتلةٍ فيه مهام إدارة حكم العراق، خصوصاً فترتي نوري المالكي وحيدر العبادي، إضافة إلى علاقة كتل أخرى بمليشيات متهمة بقتل ثوار تشرين (2019)، وتصفية ناشطين حقوقيين وإعلاميين وأكاديميين أو تغييبهم في مناطق عراقية عدة من جنوب العراق حتى شماله. نقول، بعد مرور أكثر من نصف عام على إدارة محمد شياع السوداني الحكومة، هل يصحُ الظن به وبتشكيلته الوزارية، التي أعلن في نهاية إبريل/ نيسان أنه يرغب بإجراء تغييرات فيها اعتماداً على قياس الأداء لكل وزير، وأيضاً اعتماداً على حجم تنفيذ كل وزارة الشروط والوعود التي قدّمها السوداني لمجلس النواب العراقي قبيل نيله الثقة به وبالتشكيلة الوزارية المقدّمة حينها. يتذكّر الجميع أن السوداني تعهد بمعالجة عشرات من الملفات التي جرى التوافق عليها بين الكتل السياسية المتمثلة بالإطار التنسيقي من جهة، ومكونات مثّلت قوى سنية حصلت على مقاعد مهمة في انتخابات 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 مع قوى كردية، كالحزب الديمقراطي الكردستاني، إلا أن واقع الحال يؤكّد أن السوداني لم ينفّذ منها سوى بضع ملفّات.

الملفّات التي قدم السوداني توصيات بشأنها إلى مجلس النواب العراقي هي قانون العفو العام، وإلغاء هيئة المساءلة والعدالة. أما التي اتخذ إجراءات بشأنها فهي مكافحة الفساد، ولكن بصيغه التي لا تستهدف كبار المتحكمين به، لأنهم باختصار يمثلون قادةً في كتل سياسية وتنفيذية كبرى، تطبيق قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، إضافة إلى حلّ مشكلاتٍ ماليةٍ وإجرائيةٍ معلقةٍ مع الإقليم، رفع قيمة الدينار العراقي، ومتابعة خجولة لملف جرائم التصفية والتغييب القسري بحق النشطاء في الحراك الشعبي العراقي.

اتخذ السوداني إجراءات بشأن مكافحة الفساد، ولكن بصيغه التي لا تستهدف كبار المتحكمين به

ما يهمّ العراقيين بشكل مباشر أن تكون هناك حكومة قوية ضامنة لأمنهم وسلامتهم وأحوالهم الاقتصادية، أن يكون هناك جيش واحد وأجهزة أمنية مرتبطة بوزارة الداخلية، أن تلغى صيغ المحاصصة الطائفية في التعاملات الوظيفية والسياسية، أن تكون للعراق سيادته على أرضه وسمائه ومياهه واقتصاده، أن يكون ابن محيطه العربي، وأن يتعامل مع محيطه الإقليمي غير العربي وفق ضوابط الجيرة والمصالح الاقتصادية المتبادلة وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية، أن تعالج مشكلات تمس أمنه الغذائي والاقتصادي والاجتماعي، كملف المياه والزراعة والصناعة والتصحّر والبيئة، وأيضاً العمل على إجراء انتخابات تشريعية شعبية عند نهاية العام الأول للوزارة، كما تعهد بشكل مباشر للنواب العراقيين.

يرى العراقيون في السوداني نسخةً محسّنةً لنظام المحاصصة الطائفية، على الرغم من إيمانهم أنه، في النهاية، سينفذ ما يُملى عليه من قادة "الإطار التنسيقي" وضمن سقفٍ جرى التفاهم عليه في ما بينه وبينهم منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، لكن نسبةً لا بأس بها من الناس يأملون فيه خيراً، وربما بسبب شعورهم بملكاته القيادية التي يروْنها أول مرّة في زعيم جاء من رحِم العملية السياسية، فيه من الحزم والجرأة ما ذكّرهم ربما بحقبة ما قبل الاحتلال الأميركي للعراق. وبعيداً عن الأهواء والتوصيفات غير المستندة للواقع الفعلي للطبيعة المعقّدة والمضطربة في العراق، فإن مهمّة السوداني جد صعبة إن لم تكن مستحيلة، لكنه، وبحسب صفاته الشخصية، وجذوره السياسية المعتدلة وغير المؤشّر عنها تبعيتها لإيران خلال فترة عمل المعارضة العراقية قبل عام 2003؛ ومع انفتاحه على المحيط العربي استثمارياً، خصوصا مع السعودية ومصر، فإنه يبقى مرشّحاً للعب دور إيجابي ما من أجل إحداث تغيير في المشهد العراقي العام، خصوصا إذا ما نجح في الحصول على ثقة العراقيين في أيّ انتخابات مقبلة.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن