شروط نجاح الإنتخابات في فلسطين

04 أكتوبر 2020
+ الخط -

الإنتخابات في فلسطين حق للشعب استُحقّ منذ أكثر من عشر سنوات، وتأخيرها أضعف النظام السياسي الفلسطيني، وأحدث هوّة ثقة بين القوى الفلسطينية والجمهور الفلسطيني في الداخل والخارج. ولو تم استغلال فرصة إجرائها التي أتيحت في نهاية العام الماضي (2019)، لكان الوضع الفلسطيني اليوم أكثر متانةً وقوةً، وأكثر صلابةً في مواجهة التدخلات الخارجية. 

تطرح الإنتخابات، اليوم، في إطار حزمة التوافق الوطني الذي نشأ بعد اجتماع الأمناء العامين للقوى الفلسطينية في بيروت، في 3/9/2020، وتم الإتفاق فيه على رفض "صفقة القرن" ومشاريع التطبيع العربية، والبدء بحوار وطني لإنهاء الانقسام بكل أشكاله، وإنجاز المصالحة وتجسيد الشراكة الوطنية الفلسطينية. كما اتفق على بلورة رؤية استراتيجية لتحقيق إنهاء الإنقسام والمصالحة والشراكة في إطار منظمة التحرير، خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع. وأقر الاجتماع تشكيل لجنة قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية الشاملة. وهكذا، فإن الانتخابات ليست معزولة عن تصعيد المقاومة الشعبية، ولا عن إنهاء الانقسام، بل تمثل وسيلةً لإنهائه واستعادة الديمقراطية باعتبارها حقا للشعب. ولهذا كان هناك توافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الإنتخابات، وعلى أساس نتائجها.

الإنتخابات ليست معزولة عن تصعيد المقاومة الشعبية، ولا عن إنهاء الانقسام، بل تمثل وسيلةً لإنهائه واستعادة الديمقراطية باعتبارها حقا للشعب

تشكل الإنتخابات الديمقراطية التشريعية والرئاسية/ وللمجلس الوطني الفلسطيني فرصة لتأكيد وحدة الموقف الوطني الفلسطيني المشترك، في مواجهة مؤامرات تصفية القضية الفلسطينية، بما فيها "صفقة القرن"، وتعزيز الديمقراطية أساسا للشراكة وللعلاقات الوطنية والإجتماعية، ولتحقيق فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وترسيخ التعدّدية السياسية وحرية الرأي والتعبير. ولكن الإنتخابات تأتي اليوم في إطار الصراع الدائر مع الاحتلال ونظامه العنصري. وبالتالي، من المؤكّد أن الإحتلال سيضع عقبات عديدة لتعطيلها، في القدس وفي مناطق عديدة أخرى. ولهذا، فإن نجاح الإنتخابات يقتضي توفر ثلاثة شروط رئيسية:

أولاً، أن يتم التحضير لإجرائها بالتوازي مع إجراءات تطوير المقاومة الشعبية وتصعيدها، وإنهاء الانقسام، المتفق عليها في اجتماع الأمناء العامين، بما في ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، تضمن توفير الأجواء السليمة لإجراء الانتخابات، وتضمن التصدّي الموحد لأي عمليات تعطيل أو تخريب خارجية أو داخلية، خصوصا من الجانب الإسرائيلي.

ثانياً، أن يتم التوافق على إجراء الإنتخابات في قطاع غزة والضفة الغربية وفي مقدمتها القدس، حتى لو حاولت إسرائيل منع إجرائها في القدس، وتحويل الإنتخابات إلى معركة مقاومة شعبية، تتحدّى الإجراءات الإسرائيلية، وتجري الانتخابات في القدس، رغم أنف الاحتلال.

ثالثاً، تنفيذ التفاهمات الأحد عشر التي تم التوافق عليها بين القوى الفلسطينية، بالتعاون مع لجنة الإنتخابات المركزية، في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، والتي تشكل ضمانةً لنزاهة الانتخابات وسلامتها على قاعدة الإجماع الذي تحقق على إجرائها بنظام التمثيل النسبي الكامل. ومنها أن تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية على التوالي في مواعيد محدّدة يحدّدها المرسوم الرئاسي نفسه، ولا تزيد الفترة بينهما عن ثلاثة شهور.

الإنتخابات الديمقراطية التشريعية والرئاسية/ وللمجلس الوطني فرصة لتأكيد وحدة الموقف الوطني الفلسطيني المشترك، في مواجهة مؤامرات تصفية القضية، بما فيها "صفقة القرن"

وأن الأعضاء المنتخبين في الضفة، بما فيها القدس وقطاع غزة، سيكونون ممثلين لهذه المناطق في المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية، على أن يتم استكمال انتخابات أعضاء المجلس الوطني في الخارج فور انتهاء انتخابات المجلس التشريعي. وكذلك التوافق على تشكيل محكمة الانتخابات من قضاةٍ مشهود لهم بالنزاهة والإستقلالية السياسية، وتحييد أي محكمة أخرى عن التدخل في الإنتخابات ونتائجها. بالإضافة إلى التطبيق الدقيق للقانون الأساسي من دون تمييز، بما في ذلك الإلغاء الفوري للتمييز القائم حالياً في معاملة أعضاء المجلس التشريعي السابق. وتنفيذ الأسس التي تم التوافق عليها لضمان حرية ونزاهة الانتخابات بما يشمل: الإفراج عن كل المعتقلين والمحتجزين لأسباب سياسية، أو لأسبابٍ تتعلق بحرية الرأي، ووقف أي شكلٍ من الإستدعاءات لأسباب سياسية، أو لأمورٍ تتعلق بالانتماء أو النشاط الحزبي والسياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة. ضمان توفر الحرية الكاملة للدعاية السياسية والنشر وعقد الاجتماعات السياسية والإنتخابية، من دون مضايقة، ومن دون الحاجة إلى إذن مسبق. ضمان حيادية الأجهزة الأمنية في الضفة والقطاع، وعدم تدخلها في الانتخابات، أو الدعاية لأي طرف سياسي. تحريم استخدام الوزارات والأجهزة الرسمية لمصلحة أي حزب أو قائمة مشاركة في الإنتخابات. توفير فرص متكافئة لكل القوى والقوائم المشاركة في أجهزة الإعلام الرسمي من دون تمييز. إصدار مرسوم بتنظيم التمويل المالي الحكومي للحملات الإنتخابية، بما يضمن العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص لجميع القوائم والقوى المشاركة وتوفير دعم متساو لها. توقيع وثيقة تتعهد فيها كل القوى باحترام نتائج الإنتخابات التشريعية والرئاسية. توقيع وثيقة يتعهّد فيها الجميع بعد الإنتخابات على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتكون على أساس نتائج الإنتخابات التشريعية.

انتظر الشعب الفلسطيني طويلاً إنهاء الإنقسام، وانتظر طويلاً تلبية حقّه في الإنتخابات الديمقراطية، ونصف الناخبين في فلسطين اليوم من الشباب الذين لم تتح لهم أبداً فرصة التصويت. ولا يملك أحد بعد اليوم رفاهية الانتظار والتأجيل، خصوصا في ظل حاجتنا الملحّة لتوحيد قوانا، وإنهاء الإنقسام بكل أشكاله، في مواجهة أخطر مؤامرة تعرّض لها الشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948.

مصطفى البرغوثي
مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، طبيب وناشط وكاتب وأحد مؤسسي المقاومة الشعبية ومؤسسات في المجتمع المدني الفلسطيني. انتخب عضوا في المجلس التشريعي عام 2006 وكان مرشحا في انتخابات الرئاسة في 2005 وحل ثانيا. رشح لجائزة نوبل للسلام.