شاهدنا هذا الفيلم
تأتي حكومة جديدة في الأردن، برئاسة بشر الخصاونة، وهو ديبلوماسي ووزير سابق، وقد شغل أخيرا منصب مستشار الملك، بعد أن قدّمت حكومة عمر الرزاز استقالتها، كاستحقاق دستوري لإجراء الإنتخابات النيابية المفترض أن تتم الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني)، إذا لم يتغيّر موعدها بسبب الحالة الوبائية.
يصعب تقديم وصف معين للحكومة الحالية، لأنّ تجربة الحكومات السابقة أثبتت للشارع الأردني أنّ كل الأوصاف وهمية، وأنّنا أمام حكوماتٍ متشابهة، وكأنّ رؤساءها نسخ كربونية (باللغة الإلكترونية الحالية كوبي بيست)، حتى لو تغيرت أو تنوعت أو تعدّلت الخلفيات الثقافية أو السياسية أو المجتمعية، أو حتى القدرات والمهارات، إذا اتفقنا على أنّه لا توجد هنالك عصا سحرية لمواجهة التحدّيات والأزمات المستدامة مالياً واقتصادياً، وحتى سياسياً.
جاء الرئيس السابق، عمر الرزاز، وهو من خلفية ليبرالية ومن توجّه ديمقراطي بعد الرئيس الأسبق هاني الملقي الذي انتهت حكومته بانتفاضة شعبية (2018)، وكانت هنالك في الشارع توقعات عالية بأن تُحدث الحكومة نقطة تحوّل في أي مسار رئيس من المسارات، لكنها سرعان ما غرقت بالأزمات والمشكلات التي أوقعت بالحكومة السابقة، وإنْ كانت هنالك محاولات لتكتيكات مغايرة، إلّا أنّ السمات نفسها التي تجمع مختلف الحكومات الأخيرة لا تجد فرقاً في النتائج؛ سياسياً واقتصادياً ومالياً.
اتّهمت حكومة الرزاز بأنّها حكومة "السوشيال ميديا" (في البداية وصفت بالبرتقالية نسبة إلى موجة التحولات السياسية في العالم، كما وصفت بأنّها حكومة البنك الدولي، وبأوصاف أخرى، وحكومة الأصدقاء والمعارف)، فبماذا ستوصف الحكومة الجديدة (بدأت تصدر أسماء ومصطلحات جديدة؛ حكومة محافظة، أو حكومة بيروقراطية، أو حكومة يمينية) لكن تأكدوا، منذ الآن، أنّها أوصاف غير دقيقة ولا صحيحة. لماذا؟ لأنّها لن تخرج في المسار العام عن الحكومات السابقة، طالما أنّها مالياً ستجد نفسها أمام مشكلات العجز المتزايد والمديونية المتراكمة وبرنامج إصلاح مالي مرتبط بوصفات صندوق النقد الدولي. واقتصادياً، أمام ضغوط شبيهة، في مقدمتها انفجار معدلات البطالة (المتوقع أن تصل مع العام المقبل إلى أرقام قياسية) ومشكلات صارت معروفة لأغلبية الشعب الأردني. أمّا سياسياً؛ فنحن ندور في الحلقة نفسها، حتى مجلس النواب المقبل سيكون صورة مطابقة للسابق (وإن تغير اسم رئيسه أو بعض أعضائه، لأنّ التوقعات أن تنجح نسبة كبيرة من أعضاء المجلس السابق)، وتشكيلة الحكومة لن تتغيّر في سِماتها، وإنْ تغيرت بعض الشخصيات، لأنّها ستكون خلطة من الأصدقاء والمعارف (ممن يتوقع الرئيس أهليتهم) واختيارات وترشيحات مؤسسات الدولة الأخرى والاعتبارات الجغرافية – الاجتماعية المعروفة.
ستجد حكومة الخصاونة نفسها أمام مشكلات العجز المتزايد والمديونية المتراكمة وبرنامج إصلاح مالي مرتبط بوصفات صندوق النقد الدولي
هل نحكم مسبقاً بالفشل على الحكومة الحالية؟ بالضرورة لا، ومن الممكن أن يكون أداؤها أفضل من الحكومات السابقة، في هذا المجال أو ذاك، لكن من الواضح، في المقابل، أنّ هنالك شروطاً ومحدّدات أصبحت ترسم مسبقاً النتائج العامة لأي حكومة، وأنّ أي نجاحاتٍ جزئية في بعض المجالات، هنا أو هناك، للتعويض عن رتابة المشهد السياسي، لن تؤدي إلى تغيير جوهري في المسار أو الصورة، أو حتى العلاقة المتدهورة بين الحكومات المتتالية والشارع، كما تؤكّد أرقام استطلاعات الرأي المستمرة.
ما يؤكّد تلك النتيجة أنّ حكومة الرزاز شهدت، في المرحلة الأولى من التعاطي مع ملف كورونا، ارتفاعاً مدهشاً كبيراً في نتائج استطلاع الرأي، بصورة غير مسبوقة في تاريخ الحكومات الأخيرة، ما دفع كثيرين للتشكيك في النتائج، ولكن بمجرّد ما انعكست الأوضاع، وبدأت الأمور تتغير في أرقام الإصابات، وبدأت تظهر الآثار الكارثية اقتصادياً ومالياً على الناس انخفضت نسبة التأييد وتغير موقع الشارع إلى مستوياتٍ لم تشهدها حكومة سابقة في مستوى التدهور، ووصلت إلى أرقام مرعبة.
أين تكمن المشكلة، وبتعبير أدقّ الخطورة الحقيقية؟ إذا كرّرت الحكومة الحالية فيلم الحكومات السابقة، وخسر المجلس المقبل بسرعة (كما فعل سابقوه) قناعة الناس بإحداث تغيير يعيد التوازن بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، واستمر تدهور الأوضاع الإقتصادية والمالية وارتفاع منسوب الفجوة الطبقية ومعدلات البطالة، ولم تُحدث قفزة حقيقية في مستوى خدمات الدولة، فإنّ الدولة مقبلة على استحقاقات كبيرة في مجال الديون وخدماتها، وأكبر على صعيدي البطالة والفقر، في الوقت نفسه، فقدان اللعبة السياسية قدرتها على امتصاص هذه الإحتقانات الداخلية.
إذا كانت الأزمات اليوم المالية والاقتصادية تضرب دولا كثيرة، وتعاني شرائح اجتماعية عديدة منها، فإنّ المعالجة السياسية مهمة جداً لحماية الإستقرار والسلم الداخلي، والتأكيد على أهمية وجود تفاهمات وطنية داخلية تمنع الانزلاق إلى انقسامات وأزمات بين القوى السياسية والدولة أو بين الشارع والحكومات، خصوصا لدى جيل الشباب (في العالم العربي) الذي يمثّل اليوم القوى الأكثر حضوراً وصعوداً في الشارع، وباتت شكوكه في اللعبة السياسية تدفع به إلى تفضيل الإحتجاجات أو "سياسات الشارع"، كما يصفها عالم الإجتماع، آصف بيات.