سوق المرتزقة
لا يشكّل خبر توقيف نيابة مكافحة الإرهاب في ألمانيا جنديين سابقين كانا يعتزمان تشكيل مجموعةٍ من المرتزقة للانخراط في حرب اليمن مفاجأة.
لم يكن الرجلان ليعملا على التخطيط لتجنيد ما بين 100 و150 ألمانياً للمشاركة في القتال، وعرض رواتب شهرية تبلغ 40 ألف يورو على عناصر سابقين في الجيش أو الشرطة الألمانية، بما أنهما على درايةٍ تامة بما يتطلّبه هذا العمل من "مطالبة بارتكاب أعمالٍ إجرامية"، لولا أن سوق المرتزقة مزدهرٌ على وقع ما تحققه مجموعة فاغنر التي تتوسّع أنشطتها لتشمل مروحةً واسعةً من الدول، خصوصاً الأفريقية، لا سيما بعد العقد الجديد المتسرّب مع مالي.
لكن أبرز خطأ للجنديين السابقين، اللذيْن لديهما خلفية في القتال خارج نطاق الدولة، بعدما عملا في شركة "أسغارد" للخدمات الأمنية الخاصة المرتبطة باليمين المتطرّف، والتي سبق أن قدّمت "خدماتها" في الصومال، أنهما ظنّا أن استنساخ فاغنر مهمة سهلة. وغفلا عن أهم نقطةٍ تتمثل في أن هذه المجموعة من المرتزقة هي ذراع مليشياوية تحظى برعاية رسمية من روسيا، وترى فيها موسكو أداةً فعالةً لتعزيز نفوذها في مناطق الصراعات والحروب الأهلية، من دون أن تكون مضطرّة لتحمّل أي مسؤولية رسمية عن جرائمها، سواء كما حدث في ليبيا أو في جميع الدول التي انخرطت فيها في القتال، إن إلى جانب الأنظمة الرسمية أو ضدها، فالمهم ما تريده موسكو، ويمكن بعدئذ نقل البندقية بحسب ما تتطلّبه الضرورات والمصالح. أما ألمانيا، فهي لا تتبنّى هذا النهج، ولديها حساباتٌ تناقض هذا التوجه، خصوصاً أنها تنظر بكثير من الحذر إلى تغلغل اليمين المتطرّف في صفوف الجيش خلال السنوات الأخيرة.
الخطأ الثاني يتمثل في طبيعة البلد الذي أراد الجنديان الانطلاق منه، وهو اليمن. وتقديم تبريراتٍ لخطوتهما برغبتهما "إحلال السلام" و"الدفع بمفاوضات سلام بين المتمرّدين الحوثيين والحكومة اليمنية"، مجرّد هراء.
على عكس ليبيا، أو أي دولة أخرى، لا ينقص اليمن المقاتلون، بل يوجد فائض منهم في الجبهات، سواء لدى الحوثيين أو الحكومة التي تحظى برعاية التحالف. ولم تتورّع مختلف أطراف الحرب يوماً عن ارتكاب كل ما يتطلبه تقدّمها العسكري من انتهاكات وجرائم، سواء قصف مدنيين أو تصفية أسرى حرب أو اختطاف. وقدرة الحوثيين على تحقيق تقدّم عسكري في مقابل الشرعية في الجبهات سببها العشوائية التي تعيش في ظلها القوات الحكومية منذ بداية الحرب. ولذلك لن تغير مشاركة عشرات أو مئات المرتزقة من الأوضاع الميدانية.
كما أغفل الجنديان السابقان قراءة واقع الحرب في اليمن، وخصوصاً التحوّل في موقف السعودية التي حاولا ترويج المشروع لديها من دون جدوى. تنظر الرياض، منذ فترة، إلى هذه الحرب أنها عبءٌ ينبغي التخلّص منه، وتبحث عن التوقيت المناسب لإزاحتها عن كاهلها، بعدما عجزت عن تحقيق أيٍّ من أهدافها، سواء في ما يتعلق بإعادة تمكين الشرعية أو حماية أمن المملكة من الحوثيين الذين باتوا يخترقون حدودها باستمرار، باستخدام الطائرات المسيرة أو الصواريخ الباليستية.
وإذا كان الجنديان السابقان في ألمانيا وقعا في فخّ غبائهما السياسي والعسكري، وانتهى بهما المطاف رهن الاعتقال، فذلك لن يمنع، على الأرجح، تكرار آخرين المحاولة ووجود من يتبنّاها، في ظل اتساع نطاق الاضطرابات في أفريقيا خصوصاً.