سورية .. مصالح روسيا وإيران
يعدّ ميناء طرطوس المنفذ البحري الوحيد الذي تستطيع روسيا استخدامه بحريةٍ مطلقةٍ خارج نطاق دول الاتحاد السوفييتي السابق، ففي العام 2019 وقّع نظام الأسد مع روسيا اتفاقا يمكّن الجانب الروسي من استخدام ميناء طرطوس لمدة تصل إلى 49 عاماً، وتكون لروسيا السيادة السياسية والقضائية على الميناء، ويمكنها أن تنشر فيه العدد الذي ترغب فيه من السفن، ويشمل ذلك السفن النووية.. بينما الميناء الآخر الواقع إلى شماله، على بعد 90 كم، في اللاذقية، تشغله إيران جزئياً، وتوجد فيه بشكل مؤثر، إذ تحرّكت إيران بشكل جدي، حين انتهى العقد المبرم، بين ائتلاف شركة فرنسية لتشغيل خطوط النقل البحري وإدارة محطة الحاويات مع شركة "سوريا القابضة" لصاحبها هيثم جود في 2019، لتضع يدها على إدارة ساحة التخزين الرئيسية في ميناء اللاذقية. ولقي الاتفاق اعتراضاً روسياً بسيطاً لقرب الميناء الشديد من قاعدة الوجود العسكري الجوي الروسي في حميميم، خصوصاً أنّ هذه القاعدة تعرّضت أكثر من مرة لهجوم من طائرات درون مجهولة المصدر، لكنّ الاعتراض اختفى بعدما حصل الروس على حصّتهم البحرية في طرطوس، وبعد عدة لقاءات بين مسؤولين روس وإسرائيليين، جمع أحدها فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو، وتضمّنت وقوف روسيا على الحياد، في حال قرّرت إسرائيل القيام بهجمات ضد أهداف إيرانية في سورية. أدارت إيران، وبشكل رسمي، ساحة تخزين الحاويات الرئيسية في الميناء، على الرغم من قلة السفن الراسية هناك بعد بداية الحرب، لكنّ الجانب الإيراني وجد نفسه على منفذٍ مباشر على البحر المتوسط، استغله لصالح سياسته المعروفة، وإحكام سيطرته على ما يستطيع ابتلاعه من الأرض السورية، خصوصاً بوجود منافس روسي صلب وعنيد.
تلقت الأراضي السورية في العام السابق وحده حوالي 30 هجوماً إسرائيلياً على أهداف سورية وإيرانية، بمعدل هجومين إلى ثلاثة في الشهر، ما يعني أنّ النشاط الإيراني داخل الأراضي السورية تتابعه إسرائيل وبشكل دقيق ومنظم، لكنّ ميناء اللاذقية الذي أصبحت إيران تشغل قسماً مهماً منه، وبشكل رسمي، لم يتم الاقتراب منه إلّا مع بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فقد تعرّض الميناء، وبالذات قسم ساحة تخزين الحاويات الذي تديره إيران، إلى هجمتين، قيل إنّ الهجمة الثانية كانت واسعةً ومدمرة بشكل كبير، وقد حفزت شدّة الضربة جزءاً من جمهور النظام والإيرانيين على توجيه اللوم للجانب الروسي الذي يوجد بكثافة في سورية.
لا يجيد جمهور النظام القراءة، أو أنّه يتقصد توجيه رسائل محرجة إلى روسيا التي اكتفت بتبرير هزيل، وكأنّه يريد حرف اللوم عن الجهة التي يُفترض عليها حماية مصالحها، وهي إيران، ربما طمعاً منه بقدرة الروس، لكن في الواقع فميناء طرطوس الذي انتقل عملياً إلى إدارة روسيا لم يُمسّ، وتحرص روسيا على تطويره، ولا تخفي خططها اللوجستية والتوسعية التي تنوي القيام بها في الميناء من دون أن تتعرّض لهجمة إسرائيلية واحدة، فيما يتعرّض ميناء اللاذقية للقصف المركّز مرة بعد مرة، وهو، كما سبق القول، مكان مهم لوجود القوات الإيرانية، فمن الأوْلى أن يحمي الإيرانيون امتيازاتهم، وليس من مهام الروس الدفاع عنهم أو الردّ على أي هجوم يستهدف وجودهم. أما سورية المستباحة فيتملكها القوي ويفرض نفسه، وهو القادر بوضع اليد على ذلك، بعد الغياب الرسمي للدولة التي لا تقوى على أية مواجهة، وعلى كلّ مستفيدٍ من الوجود في سورية أن يحمي ممتلكاته... هذه الرسالة القصيرة والمباشرة التي تريد روسيا أن تقولها من خلال الاكتفاء بمشاهدة آثار الدمار في ميناء اللاذقية.