سورية ... تطبيع سياسي أم اقتصادي؟
نقلت وسائل إعلام النظام السوري خبر العودة إلى جامعة الدول العربية وهي لا تخفي شعوراً بالنشوة والانتصار، ووصفت المملكة العربية السعودية بالشقيقة، في تبرّؤ واضح من كلّ ما كانت قد كالته المحطّات نفسها وقدمه المذيعون أنفسهم للجامعة والسعودية من اتهامات وشتائم. يقدّم هذا الإعلام لمريديه الخبر كأنّه دليل على أنّ النظام قد خرج من محنته، وبات حرّاً طليقاً مرّة أخرى، وهو لم يوفر أيّ طريقة "معنوية" لمغازلة مشاعر محبّيه. والآن يوحي بأنّه بات مسيطراً، ويمكنه أن يمارس حياة سياسية طبيعية، ومن المفترض أن تُطمئن هذه الأخبار مناصري النظام وترفع معنوياتهم المهزوزة في الوقت الذي تلتهب فيه الأسواق وتتضاعف أسعار السلع، مع الارتفاع المحموم لسعر صرف الدولار أمام الليرة. تمر أخبار "النصر" من دون أي مردودٍ اقتصاديٍّ على أسواق سعر الصرف، ولا يبدو أن هناك مؤشّراً على تحسّن الحالة الاقتصادية للمواطن الذي يعيش في كنف النظام العائد إلى جامعة الدول العربية.
قد ترى مجموعة من الدول العربية أنّ الأسباب التي دفعت الجامعة إلى طرد سورية ما زالت قائمة، وقد ترى مجموعة أخرى أنّ للاقتراب من النظام دوافعه لتعديل بعض سلوكياته وتصحيح العلاقة مع إيران بشكل خاص. وأنّ افتتاح السفارات العربية بكثافة في شوارع دمشق الرئيسية قد يكون مكرِّساً للعمل السياسي، وهو البقاء بقرب النظام وإيصال الرسائل إليه، في حين أنّ النظام بحاجة أكثر لدفعاتٍ اقتصاديةٍ تساهم في تعويمه، واستثمارات ترفع من اقتصاده المنهار، وتفتح أسواق عملٍ لمئات الآلاف. لا تفكّر الدول العربية التي أعادت سفراءها، أو التي تخطّط لإعادتهم إلى سورية، في الاستثمار الاقتصادي، وهي لم توفد مسؤولاً اقتصادياً واحداً من أي درجةٍ، واقتصرت كلّ الاتصالات على الجانب السياسي وحده.
لم تكن البيانات التي صدرت عن الإدارة الأميركية راضيةً عن هذه الخطوة. وقال البيت الأبيض إنه لن يطبّع مع النظام أبداً، في حين أنّ الناطق باسم الخارجية قال إنّ إعادة العلاقات تهدف إلى الحوار للمساهمة في الحل! وتمسّكت الولايات المتحدة بكلّ العقوبات التي أصدرتها بحقّ النظام، وقالت إنها ستظل سارية المفعول من دون إبداء أي تأثّر بهذا التطوّر السياسي. أصرّت البيانات الأميركية على أن سياستها ثابتة تجاه سورية، وهي سياسة العزل والعقوبة. أما من يريد أن يطبّع فعليه تحمّل العواقب. كان الكونغرس أكثر حزماً من الإدارة الأميركية، فسارع، وبمباركة من الحزبين، عبر لجنةٍ من أكثر لجانه أهمية، وهي لجنة الخارجية، باقتراح قانون يزيد من تشديد العقوبة، ويوسّع من طيفها كثيراً، لتشمل كلّ من يتعامل مع حكومة النظام، مع توجيه ضربة قاصمة لأهم أداة لوجستية من أدواته، وهي شركات طيرانه الرسمية الموازية المتمثلة بأجنحة الشام. يمكن تعديل هذا القانون قليلا، ولكن قد يجرى إقراره بسرعة، لكبر حجم الكتلة التي تقف موقفاً رافضاً للنظام في مجلسي النواب والشيوخ.
عودة سورية إلى جامعة الدول العربية علامة سياسية فارقة، كما كان طردها. لكن كما كان قرار الطرد غير كافٍ لردع النظام عن سياسة القتل والتهجير والإمعان في الحرب ضد السوريين، لن يكون قرار الإعادة مؤثّراً في تعافي النظام وإرجاع الزمن إلى ما قبل العام 2011، فما زالت مظلة النظام السياسية يشكّلها كلٌّ من إيران وروسيا، ولن تتوسّع بإضافة الجامعة، لكن الأخيرة قد تخفّف من العبء السياسي على حلفاء النظام الذي ما زال يتضوّر ويعاني من اقتصاد منهار، ولن يتقدّم إلى الأمام بعودة علاقات سياسية صرفة، فالدولتان العربيّتان المعنيّتان بالاستثمارات الخارجية، الإمارات والسعودية، منهمكتان إلى أقصى حد في استثماراتهما الداخلية، وخططهما المستقبلية الطموحة، والتي لن تجد متّسعاً لأيّ اقتطاع يمكن أن يُقدَّم لنظام منهار غير مضمون العائد على المدى القصير ولا الطويل.