سورية .. السعودية والتدخل الروسي
مفاجأة من العيار الثقيل، فجّرها ضابط المخابرات والمستشار السابق لوزير الداخلية السعودي، سعد الجبري، أن الرياض أيدت التدخل العسكري الروسي في سورية، قبل أن يصبح أمرا واقعا في سبتمبر/ أيلول 2015، ويغيّر اتجاه الحدث السوري في صورة كلية، والدليل أنه حال دون سقوط النظام كما صرح بذلك أكثر من مرة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، والذي قال لو لم نتدخل في اللحظة المناسبة لسقط النظام، ودخلت المعارضة دمشق في غضون أسبوعين.
وجاء في وثائق الدعوى القضائية التي رفعها الجبري ضد ولي العهد، محمد بن سلمان، في أميركا، أن السعودية وافقت على الحملة العسكرية الروسية في سورية، قبل وقت طويل من انطلاقها. وكشفت إحدى الوثائق عن عقد اجتماعين على الأقل بين الجبري ومدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) السابق، جون برينان، أعرب خلالها الجانب الأميركي عن استيائه من "تشجيع السعودية التدخل الروسي" في سورية، وأعرب برينان عن قلقه من تشجيع محمد بن سلمان التدخل الروسي في سورية. وورد في الدعوى أن الجبري نقل رسالة برينان إلى بن سلمان الذي رد عليه بغضب.
مبعث المفاجأة ليس لأن بن سلمان أيد التدخل الروسي في سورية فقط، بل لأن السعودية تعاطت مع الوضع السوري بهذه الخفّة، وهي الدولة العربية المركزية التي كان السوريون يعوّلون عليها كي تعدل في موازين القوى بوجه التدخل الإيراني الذي يتجاوز في تهديده سورية والعراق ولبنان واليمن إلى بلدان الخليج. ويمكن تسجيل سلوك ولي العهد السعودي في خانة تدمير التوازن الاستراتيجي مع إيران لصالح حساباتٍ ذاتيةٍ أساسها الوصول إلى الحكم. وكما إنه كان يحسب أنه سوف يحقق نصرا سريعا في اليمن، فإنه كان يعتقد أن بإمكانه اللعب بالورقة السورية، ولذلك ليس لديه أي مشكلة أو مانع اليوم من استئناف علاقاتٍ طبيعية مع الأسد، على الرغم من أن الأخير رجل إيران.
الاستنتاج الأساسي بالنسبة للسوريين أن السعودية كانت تعارض سرّا سقوط نظام بشار الأسد، وذلك خلاف ما كانت تبديه، وكان هذا الأمر مثار شك لدى أوساط سياسية سورية، ومن ذلك الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي لم يتمكّن من الحصول على موقف سعودي صريح وواضح من إسقاط نظام الحكم في دمشق. وكان الظن السائد أن الرياض لا تريد الخروج عن الخط الذي رسمته إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، إلا أنه جاء يوم وخرج شاهد من داخل البيت السعودي، ليكشف أن السعودية كانت تنسق مواقفها عن سورية مع روسيا، وليس مع أميركا. وهذا يستدعي مراجعة شاملة لكل تطورات الثورة السورية والموقف السعودي منها، ومطلوبٌ من السياسيين والعسكريين السوريين الذين كانوا في المواقع الأولى مراجعة تلك المرحلة وتقديم خلاصاتٍ عنها. وفي هذه المناسبة، من حق السوريين أن يعرفوا مقدار الدعم المادي والعسكري السعودي الرسمي للثورة السورية، وما هي القنوات التي سار فيها، وكيف تم توظيفه؟ وهنا يمكن فتح ملف "غرفة الموك" التي كانت تدير العمليات العسكرية ضد النظام من الأردن، وتضم غالبية فصائل درعا وريف دمشق وبعض فصائل ريف حلب، وكانت تلتزم بشروط الدول المشرفة عليها والممولة لها، ومنها السعودية، وأحد الشروط ينص على "عدم إقرار أو شن أية معركة أو عملية عسكرية إلا بموافقة من الغرفة عن طريق ممثلي الفصائل". وهذا يعني أن القرار في إدارة المواجهة مع النظام لم يكن للسوريين، ما يفسّر التراجع عن اقتحام العاصمة في صيف عام 2012، على الرغم من أن الفصائل العسكرية كانت قادرة على ذلك، وأصبح القصر الجمهوري تحت مرمى نيرانها.