سليمان القانوني وسرّ صندوق الوصيّة
أعظم السلاطين العثمانيين وأطولهم مدة حكم، بلغت السلطنة، في عهده، أوجها الذهبي، رفعةَ علم ومعرفة وبنيان، بعدما تضاعفت مساحة رقعتها لتشمل قلب العالم القديم بقارّاته الثلاث، برّاً وبحرا. توغل في قلب أوروبا، فأسقط ممالك وأخضع ملوكاً اعترفوا له بالسيادة، ودفعوا الجزية لخزائن إمبراطوريته، الأعظم في زمنها، وأطلقوا عليه لقب "سليمان العظيم"، ويوم وفاته دقّت أجراس الكنائس في عموم أوروبا ثلاثة أيام.
حمل اسمه من الألقاب المُعظِّمة، وكانت مثار تفاخر، ما لم يحمله سواه من الملوك والأباطرة، فصار اللقب الرسمي (صاحب الجلالة الإمبراطورية، سلطان السلاطين، خان الخانات، أمير المؤمنين وخليفة رسول الله، حامي المدن المقدسة الثلاث..). وتمضي الصفات في اللقب، لتعداد حكمه كل الأقاليم والمدن الشهيرة التي يحكمها، ومنها عواصم عدة دول أوروبية وسط أوروبا وشرقها والبلقان والأناضول وأرمينيا والعراق والشام وبلاد الحرمين واليمن ومصر.
السلطان سليمان الذي مرت الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني) ذكرى 500 عام على توليه عرش السلطنة العثمانية، هو عاشِرُ سلاطين بني عثمان، ورابعهم بعد فتح القسطنطينية 1453، جدّه السلطان بيازيد بن محمد الفاتح. أما والده فالسلطان سليم الذي يذكره العرب جيداً، كونه أول حاكم عثماني لبلادهم بعد قضائه على المماليك في المعركة الشهيرة شمال حلب (مرج دابق 1516)، ليتابع منها سيره جنوباً، مخضعاً لحكمه كل بلاد الشام والحجاز ومصر. وعندما أطلق عليه، في خطبة يوم الجمعة، وبحضوره، خطيب الجامع الأموي في دمشق لقب "حاكم الحرمين الشريفين"، عدّل السلطان سليم اللقب، بفطنة وذكاء، إلى "خادم الحرمين" تواضعاً بين جملة الألقاب المعظّمة، ليغدو اللقب، من حينه، تشريفاً لكل من في حكمه موقع الديار المقدسة. أصدر العلماء في عصره فتواهم بجواز أن يكون الخليفة من غير النسب القرشي، فكان سليم أولهم، وتبعه ابنه سليمان، فبقية ذريته من السلاطين إلى عام 1924، عندما ألغى أتاتورك الخلافة بعد سقوط الدولة العثمانية. وقد توفي السلطان سليم بعد مرضٍ ألمّ به إثر عودته من مصر، ليتولى ابنه، الذكر الوحيد ذو الستة والعشرين عاماً، حكم السلطنة المتوسعة في السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1520 (قبل خمسمائة عام).
درس القانوني في مدارس الباب العالي النخبوية، فبرع في الأدب والفقه والتاريخ والعلوم والتكتيك العسكري، بما يليق بقائد قادم، وأتقن أربع لغات
لم يكن سليمان، المولود عام 1494 في طرابزون، طارئاً على الحكم والقيادة، فقد أعدّه والده، منذ صغره، ليكون ذا شأن، إذ أرسله، وهو في السابعة من عمره، من طرابزون، حيث الأب، والياً عليها، إلى العاصمة إسطنبول، ليدرس في مدارس الباب العالي النخبوية، فبرع في الأدب والفقه والتاريخ والعلوم والتكتيك العسكري، بما يليق بقائد قادم وأتقن أربع لغات. وعندما تخرج وعمره سبعة عشر عاما، ولّاه أبوه الذي تسلم مقاليد السلطنة على فيدوسيا، ثم مانيسا فأدرنة، فتمرّس في فنون الإدارة والقيادة، وكانت مجالسه عامرة بأكابر العلماء والجهابذة في شتى المجالات، على نحوٍ جعل خصومه قبل محبّيه يشيدون بمناقبه، ومنهم قنصل البندقية الذي أطنب في وصفه وخصاله ومحبة الناس له.
عظمة السلطنة العثمانية
تسلّم سليمان مقاليد سلطنةٍ، توسعت أضعافاً خلال بضع سنوات في عهد والده، فكان لا بد لقيادتها من حنكةٍ وتدبير وبعد نظر استراتيجي، لتوطيد أركانها وإعلاء شأنها أكثر، وهي في طور الصعود، فانتهج لذلك مسارين أساسيين، متوازيين ومتكاملين خارجياً وداخلياً، لإبعاد المخاطر، وما يهدّد جوانبها عسكرياً واقتصادياً، وتقوية بنيانها الداخلي، تنظيماً وقوننة للارتقاء بها وبمكانتها المتعاظمة، فعمل منذ توليه على المسارين معاً:
أولا، التوسع وإخضاع الأعداء: تنبه السلطان سليمان إلى أن الخطر الأكبر يكمن في الغرب القريب من عاصمته، والمختلف عقائدياً، بما يشكّله من تهديد مستمر، برّاً وبحراً، فوجّه جيوشه البرّية باتجاه البلقان وغربها، وسرعان ما سقطت أمامهم بلغراد 1521، وتوجّهوا إلى حصار مملكة المجر وسط أوروبا. كما تحرّك الأسطول البحري نحو جزيرة رودس القريبة من شواطئه، وذات التحصينات القوية (تعتبر حينها من أقوى حصون العالم) التي يتمترس خلفها جيشٌ متمرّسٌ وحامية كبيرة من (فرسان القديس يوحنا) منذ عهد الحملات الصليبية على المشرق، وكان هؤلاء، مع من يلوذ بهم من قراصنة، دائمي الاعتراض للسفن العثمانية التجارية وقوافل الحج السائرة بحراً، وبما يشكّل خطراً وتهديدا دائمين.
تنبه السلطان سليمان إلى أن الخطر الأكبر يكمن في الغرب القريب من عاصمته، والمختلف عقائدياً، بما يشكّله من تهديد مستمر، برّاً وبحرا
تولى قائد البحرية الفذ، خير الدين بربروس، بنفسه قيادة الأسطول والمعركة، وهو الذي أطلقت يده في بناء أساطيل بحرية قوية، تكمل القوة العسكرية العثمانية، وتلبي الحاجة المتنامية لحماية حدودها شرق المتوسط، وتطلعاتها في بقية البحار والمسالك في طرق التجارة. حاصر بربروس رودس شهوراً، ودكّ أسوار قلاعها وحصونها بالمدفعية، وبقيت مستعصية إلى أن اقتحمها، بعدما حفرت قواته 50 سرداباً تحت الأرض والأسوار، للوصول إلى قلب الجزيرة والحصون، فكانت فيها أشرس المعارك، إلى أن استسلمت 1522، ودخلها السلطان سليمان منتصراً، فيما تم ترحيل من بقي من حاميتها إلى ما بعد جزيرة كريت غرباً، ليستقروا في جزيرة مالطا البعيدة، ويعرفوا بمسماهم الجديد (فرسان مالطا). عقب هذا الانتصار الهام، وإبعاد الخطر البحري عن حدود السلطنة في البحر المتوسط، وجه بربروس، بأمر السلطان، فرقة بحرية من مصر عبر البحر الأحمر، لإبعاد خطر القراصنة والبرتغاليين، وتهديداتهم المستمرة عن مدخل باب المندب ومدينة عدن وبحر العرب، فأتمت القوات سيطرتها على الشريط الساحلي وعمقه البحري، والتفت باتجاه سواحل مسقط عُمان والإحساء وصولاً إلى قطر وسط الخليج البحري، ووصل أمان خطوط التجارة البحرية إلى سواحل الهند وإندونيسيا، حيث تم إرسال حاميات للجالية هناك وللقوافل التجارية، وإجبار البرتغاليين على تغير مسارهم البحري، خصوصا بعد القضاء على قواعدهم في أطراف الحبشة والقرن الأفريقي.
أما الجيوش البرية للسلطنة المتجهة غرباً، فاستمرّت بعد سقوط بلغراد في معارك مع مملكة المجر التي حشدت جيشاً من مائتي ألف مقاتل (ضعف عدد الجيش العثماني)، ردفته قوات من معظم الممالك الأوربية التي استشعرت الخطر، إلى درجة أن حضر بابا الفاتيكان بنفسه إلى ساحة المعركة، فيما قاد السلطان سليمان بنفسه أيضاً جيشه في المعركة الأخيرة (موهاكس 1526)، فحسمت خلال ساعتين فقط بشكل مذهل للعثمانيين، بعد مقتلة عظيمة لجيوش المجر وأوروبا، ومنهم ملك المجر لويس، وسلّمت مفاتيح العاصمة (بودا) للسلطان سليمان الذي فكّر، بعد مدة، بالتوجه نحو إيطاليا وعاصمتها روما، وحيث مقر الفاتيكان والمدن والممالك الإيطالية الغنية، كالبندقية وجنوا. وكانت خطته بمهاجمتها من ثلاث جهات، من الشرق بجيشه البرّي، ومن الجنوب بحراً بأسطوله وقيادة بربروس، ومن الغرب عبر قوات حليفه ملك فرنسا المتصارع مع الأوروبيين. وبالفعل، استطاع بربروس النزول بقواته في جزر وموانئ إيطالية، لكن تخاذل ملك فرنسا، في اللحظات الأخيرة، بعد تقدّم قواته، دعا السلطان إلى العدول عن خطته باقتحام إيطاليا، إدراكاً منه حجم المخاطر واستنزاف القوة فيها، فيما تابع القائد بربروس معاركه في جزر المتوسط، وكان أهمها الملحمة الأسطورية ضد الحلف المقدس المتشكل من سبع دول أوروبية، حشدت أساطيله مجتمعة في المعركة البحرية الأشهر (بروزة 1538)، ليغدو أكثر من نصف المتوسط تحت سيطرة عثمانية، بالإضافة إلى استطاعة العثمانيين الامتداد على سواحل شمال أفريقية، وطرد الإسبان من الموانئ الجزائرية، بذريعة مطاردة فلول المسلمين الهاربين من محاكم التفتيش، وهي صفحةٌ بيضاء مبكّرة في سجل بربروس، منذ فرض على الإسبان ترحيل سبعين ألفاً من مسلمي الأندلس الملاحقين، وتم نقلهم بإشرافه في سبع رحلات، على متن 35 سفينة من أسطوله.
جمع القانوني كل المراسيم السلطانية السابقة، بما فيها من تناقضات، لتخليصها من شوائبها، وإضافة قوانين كثيرة ناظمة لأمور الدولة الكبيرة
وصل التمدّد العثماني البرّي في قلب أوروبا إلى بولونيا، وشكّل خطراً داهماً على أقوى الممالك في النمسا، حيث حاصر السلطان عاصمتها فيينا أكثر من مرة، ما اضطر ملكها فرديناند وشقيقه شارل ملك إسبانيا إلى توقيع معاهدة لخمس سنوات يدفعون خلالها الجزية، ويقرّان بأنهما ملكان فقط من دون ألقاب أكبر في حضرة الإمبراطور والسلطان الأعظم. بعد انقضاء مدة المعاهدة، ومحاولة النمسا التمدّد باتجاه هنغاريا، عاود جيش السلطان حصار فيينا، ودك أسوارها ومحاولة دخولها، لكن سوء الأحوال الجوية، بالإضافة إلى مهاجمة الصفويين حدود السلطنة شرقاً، جعلاه ينهي الحصار ويقفل عائداً لمواجهة الصفويين، وإيقاع سلسلة من الهزائم بهم في أرمينيا وتبريز، متوسعاً شرقاً لتكون سلطنته في عصره، وما قبله ببضعة قرون أضخم إمبراطورية موحدة.
2- القوننة والتنظيم والتنمية: لم تكن الحروب والفتوحات، على كثرتها وضخامتها، ما يأخذ كل اهتمام السلطان، بل سار بها في خط متوازٍ مع تنظيم الإمبراطورية داخلياً، فدأب، منذ توليه الحكم، على جمع كل المراسيم السلطانية السابقة، بما فيها من تناقضات، لتخليصها من شوائبها، وإضافة قوانين كثيرة ناظمة لأمور الدولة الكبيرة، بتنوع شعوبها وأعرافها، وتوحيد الأحكام والحقوق والواجبات، بما لا يخالف الشريعة، فأضاف القانون الجنائي وقوانين الجبايات والأموال وتوزيع الأراضي وحقوق الرعايا والأقنان.. ليشكل ذلك كله "القانون العثماني" الذي عرف أيضاً بمسمّاه اللاحق قانون السلطان سليمان، واستمر العمل به ثلاثة قرون، وإن لم يكن بالحرص نفسه الذي أشرف به السلطان سليمان بنفسه على تحقيقه، وضمان حقوق المواطنين والرعايا. ويؤكد المؤرخون أن العوام من أضافوا إلى السلطان سليمان لقب "القانوني" الذي صار لاحقاً لاسمه. والمدهش في القانون السليماني تجاوزه أمور تنظيم الدولة وحقوق بشرها، ليشمل حقوق الحيوان ووجوب رعايتها والرأفة بها وتنظيم عملها، وكذلك القوانين البيئية التي تتجاوز، وفقاً لعصرها، أرقى ما وصلت إليه حضارات عصرنا.
أوْلى التعليم كل عناية، فنظم المدارس في 12 حلقة متتالية، وانتشر التعليم المجاني في الحواضر، وبخدمات رعاية تضاهي أحياناً المدارس الخاصة والداخلية في أيامنا
في الجانب التنموي، أولى السلطان سليمان التعليم كل عناية، فنظم المدارس، لتشمل 12 حلقة متتالية (صفوف)، وانتشر التعليم المجاني في الحواضر، وبخدمات رعاية تضاهي أحياناً المدارس الخاصة والداخلية في أيامنا. وأنشأ عديداً من المدارس العالية المتخصصة في القانون والطب والأدب والمعارف وسائر العلوم، لتلبي حاجة السلطنة المتعاظمة وتطورها، وتوّج ذلك ببناء الكلية السليمانية بأقسامها الخمسة عشر، وضمنها جامعه الشهير، وهي الشامخة إلى اليوم ببنائها الذي جلبت أحجاره من مختلف الأمصار البعيدة، وعمل فيه أكثر من 3500 عامل سنوات، بإشراف أشهر مهندسي العمارة في العالم، المعمار سنان، الذي دعمه السلطان، ورعاه فأنشأ عشرات الصروح التي ما زالت ماثلة ودالة على فتح جديد في أسلوب العمارة وجمالياتها. لم يكن التطور العمراني وتميزه حكراً على العاصمة، بل شمل كل أرجاء السلطنة، كالجسور الأربعة على أنهار سراييفو، وبناء مدينة السليمانية في العراق، والتكية السليمانية في دمشق، والخانات الجديدة في حلب والقدس والقاهرة وسواهم، وبناء القناطر والصهاريج وشقّ الأقنية لإيصال المياه إلى أحياء المدن والحواضر، ومئات المشاريع التنموية التي يضيق المجال عن تعدادها، ما أثمر ازدهاراً غير مسبوق، لم يقتصر على العمران والتعليم والصحة والقانون، بل تجاوزه إلى رعاية ثقافية في الأدب والفنون، ومن أمثلته ظهور فن المنمنمات العثمانية وافتتاح مدارس الخط. ويحتفظ الأرشيف العثماني بعدة نسخ للقرآن الكريم، بخط السلطان سليمان نفسه، وبأشعار له.
لطخة على ثوب السلطان
ليس الكمال سمة بشرية، مهما تأتّى لأي إنسان من سمات العظمة، ولعل طريق تلك العظمة في البشر، خصوصا في ميادين الحكم والسياسة، كما يؤكد علماء النفس والسياسة والاجتماع، لا بد أن يكون محفوفاً بمخاطر جمّة ومنزلقات دائمة، قلما ينجو أحد من بعضها، خصوصا إن طال به الزمن. ما يؤخذ على السلطان سليمان، في آخر سنوات حكمه، الذي امتد 46 عاماً، وقوعه تحت تأثير مكائد بعض السياسيين المقرّبين، وفي مقدمتهم رستم باشا، زوج ابنته الذي تولى مرتين منصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، والذي استغل نفوذه في طبقات الموسرين من تجار ووزراء ووجهاء وقادة، إضافة إلى دوره في القصر السلطاني وجناح "الحرملك" المشهور بدسائس زوجات السلاطين، لنزع ولاية العهد ومنصب السلطان القادم لصالح ولد كل زوجة، وهو ما نجح به رستم، فأوغر قلب السلطان تجاه ابنه الأكبر، ووليّ عهده (مصطفى) متهماً إياه بالتواصل مع الصفويين سرّاً، ما جعل السلطان سليمان يتخذ القرار بمجرد حضوره بعد الاستدعاء، فقتل خنقاً من دون أن يواجه بالتهمة، وكذلك كان شأن رستم مع غريمه، قرا أحمد باشا، الذي عينه السلطان صدراً أعظم خلفاً لرستم، فما كان منه إلا أن دبّر خطة محكمة، وبشهود من الخاضعين لنفوذه لاتهام الصدر الأعظم بالرشوة، فتم إعدامه، ليعود رستم إلى المنصب.
يحتفظ الأرشيف العثماني بعدة نسخ للقرآن الكريم، بخط السلطان سليمان نفسه، وبأشعار له
هذه الأفعال في الثلث الأخير من حكم السلطان المديد، وإنْ ردّها باحثون إلى "قانون البغي" الذي سبق ووضعه السلطان محمد الفاتح، بعدما أفتى له به علماء عصره، وهو قانونٌ يشبه حالياً الحكم بإعدام مرتكب "الخيانة العظمى"، وإنْ كان قد أجاز، في بعض تفسيرات المفتين، جواز التخلص من كل من يراه السلطان خطراً على السلطنة، وإنْ كان من الأخوة أو الأبناء، وهو ما يفتح باباً لجدل واسع حول أدوار من يتولى الفتوى للزعماء عبر التاريخ الإسلامي برمته (مفتي السلطان). وفي الوقت نفسه، ومهما بلغت حجج المنافحين عن عظمة السلطان سليمان، فإن هذا الأمر يبقى لطخة في ثوب أعظم السلاطين، خصوصا أن ممن تولوا بعده، اتخذوا هذا الفعل منهجاً للتخلص من مناوئيهم ومنازعيهم على الحكم من إخوة أو أبناء، ليصبح الموضوع لاحقاً وصمة في تاريخ السلاطين والسلطنة، يضعه مؤرخون بين أسباب أطوار الضعف.
ردّ باحثون أفعال القانوني في أواخر عهده إلى "قانون البغي" الذي وضعه محمد الفاتح، بعدما أفتى له به علماء عصره، وهو قانونٌ يشبه حالياً الحكم بإعدام مرتكب "الخيانة العظمى"
بالعودة إلى أعظم السلاطين، سليمان القانوني، والذي يظن أن هذه النقطة أثرت في أعماقه، وأنه، من جانب آخر، ما كان يُقدم على أفعالٍ كهذه إلا بفتاوى، فقد أوصى أن يدفن معه في قبره صندوق خاص يحتفظ به في قصره. وعندما توفي في 7 سبتمبر/ أيلول 1566، وهو يقود الجيش، على الرغم من تجاوزه السبعين، في أثناء حصاره حصن سيكتوار في طريقه مجدّداً نحو فيينا، فتم نزع أحشائه ودفنها هناك للعودة بجسده سالماً إلى مدفنه في مسجده في إسطنبول. وحينها حدث خلاف بشأن صندوق الوصية، خشية أن تكون فيه أموال أو جواهر، وهو ما يخالف التشريع، فتم فتح الصندوق، لتغمر الدهشة جميع الحضور، بمن فيهم العلماء والمفتي الأكبر (أبو السعود أفندي)، فما كان في الصندوق سوى الفتاوى التي أصدروها له، يمضي بها للقاء ربه.