سد النهضة خارج إثيوبيا

29 مارس 2021
+ الخط -

دخلت قضية سد النهضة الإثيوبي منحدراً شديد الصعوبة، مع قرب المرحلة الثانية لملء خزانه. ولمّا كانت المفاوضات الجارية منذ سنوات لم تسفر عن أي نتيجة إيجابية باتجاه الاتفاق، أو حتى التوافق، بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، فإن الملء الثاني هو عنق الزجاجة الذي لو اجتازته أديس ابابا، لن تقبل أي اتفاق، لا حالياً ولا مستقبلاً، بل لن تجد، حينئذ، أي دافع للاستمرار في أي مسار تفاوضي.
قبل عملية الملء الأول صيف العام الماضي (2020). لجأت مصر إلى مجلس الأمن، لإشراكه راعيا دوليا للمفاوضات، وضامنا لضبط المسار حال تأزم الموقف والفشل في بلورة اتفاق. وكانت تلك المحاولة خطوة مصر الوحيدة باتجاه تدويل القضية، في مقابل إصرار إثيوبيا على "الأفرقة" بالاقتصار على دور للاتحاد الأفريقي. وبعد عامين من هذه المحاولة، لا تزال إثيوبيا تتمسّك بهذا، ثم تُفشل المفاوضات، تحت سمع الاتحاد وبصره. وقبل شهر، طالب السودان بتدخل رباعي الأطراف، يضم مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما رفضته أديس أبابا.
ما السبيل إذن؟ الإجابة عن هذا التساؤل غير ممكنة قبل إجابة أخرى عن سؤال أهم: إلى ماذا تستند إثيوبيا في ذلك التعنت؟ يمكن لأي متابع إدراك أن الأمر ليس متعلقاً بقوة عسكرية تملكها، أو اقتصاد قوي يدعمها، أو حتى جبهة داخلية متماسكة ومؤازرة شعبية للحكومة. تستند إثيوبيا إلى أطراف أخرى تدعمها في مشروع السد، وتشاركها في ما سيترتب عليه من مكاسب لاحقة أو خطط أخرى. ولكي لا يكون الحديث عن تخمينات وتفسيرات تآمرية، ليس المقصود هنا ما يتردّد عن دعم إسرائيلي خفي لمشروع السد، بغرض السيطرة على مياه عبر الذراع الإثيوبي. فربما يكون ذلك صحيحاً، لكن إثباته حالياً صعب، ولن يفيد بشيء، سوى تضييع وقت ثمين. أما الأطراف المقصودة التي يمكنها إنقاذ الموقف فهي الدول المشاركة فعلياً في مشروع السد، سواء بالتمويل المباشر أو الاستثمار أو بالتنفيذ الفعلي للأعمال الإنشائية وتوريد مواد البناء والتوربينات والمعدات. هذه الأطراف وحدها تملك تعديل الدفّة المُعوجّة في هذا الملف، وتليين مواقف إثيوبيا الجامدة، للتوصل إلى اتفاقٍ يُراعي أمن شعبي دولتي المصبّ وحياتهما.
لا سُبُل أخرى لوقف غطرسة أديس أبابا وتجاهلها حق شعبي مصر والسودان في الحياة. المذهل أن هذا السبيل الوحيد لم يظهر فجأة، فهو قائم وواضح منذ سنوات، بل إن مصر سلكته من قبل ونجحت فيه. إذ تمكّنت من حجب التمويل الدولي عن المشروع، بفضل استخدام حقها القانوني المستند إلى القانون الدولي والاتفاقات الدولية ذات الصلة، في اشتراط موافقة مصر مُسبقاً لكي يقبل البنك تمويل (أو تقديم) ضمانات لأية سدود أو مشروعات بطول مجرى النيل. ففي 14 مايو/ أيار 2014، أعلن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وإيطاليا الامتناع عن المشاركة في مشروع السد. وبعد توقيع القاهرة في 23 مارس/ آذار 2015 على "إعلان المبادئ"، اندفعت الدول الكبرى والشركات العالمية، بل وأيضاً دول إقليمية وعربية، نحو المشاركة في المشروع والاستثمار فيه. وتحول سد النهضة، بتلك المشاركة الدولية الواسعة والمحورية، إلى مشروع متعدّد الأطراف، يساوي مئات مليارات الدولارات، فضلاً عن قيمته الجيواستراتيجية.
ويستند التمترس الإثيوبي على الاستقواء بهذه الأطراف، وغيرها. وما لم تتحرّك القاهرة والخرطوم بشكل فوري وفعال وحاد، لاستصدار موقف إيجابي عملي وسريع تجاه إثيوبيا، فلا أمل يُنتظر أو حسن نية يُعتبر. فما حصلت عليه إثيوبيا مجّاناً لن تتنازل فيه بلا مقابل.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.