سبتمبر اليمني بين الثورة والنكبة
يحتلّ سبتمبر رمزيته في الوجدان الشعبي اليمني. لطالما ارتبط هذا الشهر بثورة 26 سبتمبر 1962، التي وضعت نهاية للحكم الإمامي ونقلت اليمن إلى الحكم الجمهوري. لكن منذ 2014، لم تعد ثورة سبتمبر وحدها تهيمن على هذا الشهر. اذ اختارت جماعة الحوثيين، يوم 21 سبتمبر لتجتاح صنعاء وتسيطر عليها قبل أن تشعل الحرب في مختلف المدن اليمنية.
يمكن جماعة الحوثيين إسباغ ما تشاء من صفات على هذا اليوم، بما في ذلك وصفه زوراً بـ"الثورة". لكن ليس مبالغة وصف هذا اليوم بالنكبة على اليمنيين. فهم لا يزالون بعد 8 سنوات يدفعون ثمنه، حرباً دمرت البلاد ومزقتها، وحولت حياتهم إلى جحيم. لم يكن حال اليمنيين قبل ذلك في أفضله، وإلا ما ثاروا على علي عبد الله صالح، لكنه منذ 2014 انتقل إلى مرحلة أكثر سوءاً وبؤساً.
بلغة الأرقام والتقديرات، فإن اليمن عاد عقوداً إلى الوراء على مختلف الصعد. أصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في نشرته الدورية في أغسطس/ آب الماضي إحصائيات جديدة تفيد بوصول انعدام الأمن الغذائي إلى أعلى نقطة. وقدّر أن نحو 19 مليون شخص، أي أكثر من 60 في المائة من السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وفي يوليو/ تموز 2022 وحده، ارتفعت نسبة الأسر التي تفتقر إلى الغذاء الكافي إلى 55 في المائة في مناطق سيطرة الحكومة، و50 في المائة في مناطق سيطرة الحوثيين.
قطاع التعليم لا يبدو بحال أفضل. وبحسب تقديرات منظمة يونيسف تعود لعام 2021، دُمّرت 2.916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل 4 مدارس) أو تضررت جزئياً أو استُخدِمَت لأغراض غير تعليمية خلال فترة الحرب.
كذلك إن نحو مليوني طفل هم خارج المدرسة، وسط تقديرات بأن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات التي تلحق بتعليمهم إلى 6 ملايين طالب وطالبة. أما القطاع الصحي، فيزداد سوءاً، مع تهديد نقص التمويل العديد من برامج الرعاية الصحية بالإغلاق.
الخوض في هذه الأرقام يمنح صورة قاتمة عن مستقبل هذا البلد على المدى البعيد. لكل هذه الأسباب، فإن تمديد الهدنة الصامدة حتى اللحظة تحت الضغوط الدولية، هو الخيار الوحيد العملي المطروح، بغضّ النظر عمَّن يستفيد منها من أطراف الحرب. دعا رئيس المجلس السياسي للحوثيين، مهدي المشاط، يوم الأربعاء في استعراض عسكري ضخم نُظّم تزامناً مع يوم الانقلاب إلى إنهاء الحرب والانتقال إلى ما سماها "استراتيجية السلام" المشتركة، واضعاً كالعادة المسؤولية على الشرعية وداعميها.
منذ 21 سبتمبر 2014، انتهى الزمن الذي كان من الممكن للحوثيين فيه لعب دور الضحية، بعدما أهدروا الفرصة التي منحت لهم في الحوار و"اتفاقية السلم والشراكة" التي منحتهم قدراً كبيراً من المكاسب السياسية.
تتحمل جماعة الحوثيين المسؤولية الأولى عن كل ما آلت إليه الأوضاع. اختار الحوثيون يومها الانقلاب على الدولة وتدمير ما بقي منها، ثم انتقلوا إلى التنكيل باليمنيين، وحرمان المواطنين في مناطق سيطرتهم أبسط مقومات الحياة والرواتب، وتعمّد إفقارهم وإخضاعهم بشتى سبل الترهيب والجباية، ولم يبق إلا أن يفرضوا ضريبة على الهواء الذي يتنفسه اليمنيون. وتحول مسؤولو الجماعة ومشرفوها إلى أمراء حرب، تزداد ثرواتهم على حساب قوت اليمنيين، حتى تحولت ديمومة الحرب إلى ضرورة لهم. ولذلك، فإن إبداء رغبتهم أو استعدادهم لإنهاء الحرب أمر يصعب تصديقه، إلا إذا وُضِع في خانة استعدادهم لوقفها مع التسليم لهم بحكم الشمال، على أن تدبر الشرعية نفسها في ما بقي لها من مناطق تحكمها على قلّتها.