زفّات المصالحة الفلسطينية

23 أكتوبر 2022
+ الخط -

ما رقم اتفاق المصالحة الفلسطينية الجديد؟ منذ فترة لم نعد نحصي هذه الاتفاقات التي باتت مجرّد رزم أوراق وصور جماعية لا تقدّم ولا تؤخّر. اتفاق المصالحة الذي وُقّع أخيراً في الجزائر لا يخرج عن هذا السياق، بل ربما هو أسوأ أنواع هذه الاتفاقات فاقدة المعنى. سالفاً كانت تسبق هذه الاتفاقات تمهيدات وتصريحات وتفاصيل حول الخلافات أو النقاط الإشكالية، وهو ما كان يعطي لأي تفاهم أو اتفاق صيغة شبه جدّية، قبل أن نكتشف أن تطبيقه مستحيل لعدم رغبة أطرافه في إنجازه كلياً. الوضع في الجزائر كان مختلفاً، فالحكومة هناك أرادت تسجيل أي إنجازٍ على الساحة الفلسطينية، وهي التي تعرف مدى تأثير ذلك على الشارع الجزائري المولع بالقضية الفلسطينية. فاستدعت على عجلٍ قيادات من حركتي حماس وفتح لأخذ الصور التذكارية التقليدية والإعلان عن اتفاق مصالحة جديد.

هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الجزائر إلى صورة كهذه، فقد سبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن جمع الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس مع رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، في صورة تذكارية مماثلة. صورة كانت كاشفة في مضمونها عن استحالة تحقيق المصالحة بشكل جدي. فقد بدا واضحاً في حينها تجهّم أبو مازن وأنه أجبر على أخذ هذه الصورة. وفعلاً لم تكن هذه الصورة أكثر من زفّة من زفّات المصالحة الفلسطينية الكثيرة والتي تنتهي بمجرد نهاية لحظة الصورة.

الزفّة الأخيرة مختلفة قليلا، في الشكل وليس في المضمون، فقد حرص ممثلو "حماس" و"فتح" على الضحك كثيرا للكاميرا، وخلق أجواء توحي بالإيجابية، غير أن المضمون كان معاكساً كلياً، حتى أنه أقل بكثير من غيره من الاتفاقات التي وُقعت سابقاً، وفشلت عند اختبار التطبيق.

لا يمكن إلا اعتبار الاتفاق الجديد فارغاً من المضمون، خصوصاً بعدما أسقط من حساباته تشكيل حكومة وحدة وطنية، لاعتبارات سياسية، خاصة بالاتفاقات الدولية التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع حكومة الاحتلال، والتي لا تعترف بها حركة حماس. هذه النقطة الجوهرية هي أساس الانقسام الفلسطيني المستمر منذ عام 2007، وأي محاولة لرأب الصدع الفلسطيني من دون المرور على هذا الخلاف الأساسي هي محاولة محكومة بالفشل. فالمصالحة ليست مسألة شخصية بين عزام الأحمد وإسماعيل هنية حتى يتم تقديم صورتهما ضاحكين معاً على أنها إنجاز واختراق في جدار المصالحة الفلسطينية. الأمر نفسه في ما يخص الانتخابات، التشريعية والخاصة بالمجلس الوطني، فإذا نص الاتفاق على إجراء مثل هذه الانتخابات خلال عام كحد أقصى، فهذا لا يعني أن الانتخابات ستُجرى فعليا، خصوصاً أن كل الاتفاقات السابقة حملت في نصها هذا البند، ومع ذلك لم تجر هذه الانتخابات، وعلى الأرجح لن تُجرى في المدى المنظور.

وبغض النظر عن البنود والتفاهمات الواردة في أي اتفاق، هناك أمر جوهري لا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار عند أي محاولة لعقد مصالحة جديدة في المستقبل القريب أو البعيد، وهو عدم رغبة أي من الطرفين في إجراء هذه المصالحة، خصوصاً مع التسليم بأمر واقع القيادتين الفلسطينيتين، وهو ما بات يتعايش معه كل الفلسطينيين، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية. فعملياً عمر الانقسام بات أطول من عمر السلطة الفلسطينية التي جاءت بعد اتفاق أوسلو عام 1993، أي أن عمر الانقسام منذ 2007 إلى اليوم بات 15عاماً، أي أكبر بعام واحد من عمر السلطة قبل الانقسام.

وللأسف، أصبح الانقسام الأمر الطبيعي على الساحة الفلسطينية، والوحدة هي الأمر المستغرب، لذا فإن الفلسطينيين لم يعودوا يتعاطون بجدية مع أي محاولات للمصالحة ولا يجدون فيها إلى زفّات متنقلة. وها هم اليوم ينتظرون الزفة المقبلة ويتكهنون في أي بلد جديد ستكون.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".