ريان الشبل والغرب وثروة السوريين الوحيدة
الأخبار السارّة من سورية منعدمة. وحدها العصابة مسرورة هناك وأبواب حكّام عربٍ تُفتَح أمامها مكافئة إياها على صمودها الدموي فوق أنقاض بلد وعلى جثة شعب وبأمجاد إيرانية وروسية. لكنّ بعض الأنباء السورية اللطيفة تأتي من بعيد، من خارج الحدود، من أسماء سوريين نتعرّف إليها بوتيرة متسارعة هذه الأيام. وفي كل مرّة نكتشف اسم سوري هاجر هرباً من الجحيم الأسدي، فأصبح شخصية عامة حيث حلّ، وحقّق نجاحات في العلم أو العمل أو السياسة أو الإدارة أو الرياضة أو الفنون والثقافة، يطمئنّ شيء من البال إلى أن سورية، إن قامت يوماً ما، فستكون قيامتها معتبرة. ذلك أنّ العصابة الأسدية، عبر لفْظها من لا تتناسب مواصفاتهم مع معايير "المجتمع المتجانس" الذي يحلم به بشّار الأسد، يعود لها الفضل، من دون أن تدري، بتفوّق آلاف الكوادر من السوريين، كل في اختصاصه، التي لا تدخل في عدادها مهن القتل والتعذيب والنهب وبناء "المجتمعات المتجانسة".
أحدث اسم تعرّفنا إليه من ضمن هذه الفئة الشاب ريان الشبل، وعمره اليوم 29 عاماً. انتقل من السويداء إلى ألمانيا من ضمن موجة لجوء عام 2015. ربما شاهدناه من ضمن آلاف المقاطع المصوّرة التي تُظهر هؤلاء الهائمين على وجوههم واصلين إلى أرض "الحلم الألماني" سيراً على الأقدام بعد مغامرة بحرية من تركيا إلى اليونان ونسبة النجاة فيها متعادلة مع احتمالات الغرق أو الاعتقال. انطلق ريان عام 2015 مع 49 شخصاً في أحد قوارب الموت نحو جزيرة ليسبوس اليونانية، التي زادت شهرتها من استقبال المهاجرين السرّيين أو من دفنهم في مياهها. عن عمر 21 عاماً، كان محظوظاً، فهو لم يغرق كغيره، وسلك درب البلقان التي أكلت من رجليه 12 يوماً سيراً في الغابات، قبل أن يصل إلى ألمانيا بعدما اجتاز اليونان ثم مقدونيا وصربيا وكرواتيا والنمسا. أغلب الظن أن ريان لم يكن يعرف حينها من تكون أنجيلا ميركل التي رفضت إغلاق الحدود في وجه اللاجئين، والسوريين في صدارة جنسياتهم. ريان واحدٌ من مليون لاجئ سوري استقبلتهم ألمانيا منذ 2015، وقد تسلم منصبه أول من أمس الاثنين عمدةً لـ أوستلسهايم (2500 نسمة)، وهي بلدة ريفية في ولاية بادن ــ فورتمبرغ جنوب غربي ألمانيا، بعدما انتُخب في 2 إبريل/ نيسان الماضي فنال 55% من الأصوات في وجه مرشّحَين اثنين "ألمانيّين أصليّين". صحيحٌ أنه عضو في حزب الخضر، لكنه ترشّح وانتُخب بصفته مستقلاً، بعدما عمل بضع سنوات موظفاً إدارياً في منطقته إياها.
ثماني سنوات فصلت بين وصوله وهو بالكاد يلتقط أنفاسه، حاملاً في جيبه شهادة الباكالوريا السورية، وبين انتخابه عمدة لبلدة بعد أشهر قليلة من نيله الجنسية الألمانية عام 2022. هناك، لا شرط يُلزمه بأن يكون "ألمانياً منذ أكثر من عشر سنوات" لكي يتمكّن من العمل ولو حاجباً لمبنى كما هو الحال في لبنان. هناك، يقول الشاب لوسائل إعلام اهتمّت بقصته، إن ماضيه لاجئاً لم يلعب أي دور سلبي ضده خلال حملته الانتخابية. بعض خصومه كانوا أغبياء، فاتهموه من دون أن يتعرفوا إليه بأنه قريب من "داعش"، فلم يدروا أنه درزي فضلاً عن أن "لا مكانة للدين لديه" كما يقول. وبما أن الأمر كذلك في ما يتعلق بالدين، تذاكى آخرون فادّعوا أنه عضو في حزب العمال الكردستاني (كون السمة الغالبة على هذا الحزب العلمانية والإلحاد أحياناً)، هو الذي التقى للمرّة الأولى بكردي سوري في ألمانيا وفق شهادته التي تنقلها صحيفة ليبراسيون الفرنسية. هذا شيء من الغرب الذي يشتمه كارهوه عندنا، وشيء من إمكانات تسلق السلّم الاجتماعي التي يتيحها لأضعف عناصر المجتمع.
نجاحات السوريين في الخارج هي الثروة الوحيدة التي تملكها سورية المستقبلية، وإن لم تقم قيامتها يوماً لأن لدى كثيرين منا أموراً ينشغلون بها أهم من بناء دول حرّة وديمقراطية وليبرالية ومتقدّمة، كالقتل والتعصّب والتخلّف والطائفية، فمبروكة تلك الثروة للبلدان التي استضافتها وستستضيفها.