روسيا .. نتائج عقاب المليارديرات

13 مارس 2022
+ الخط -

شملت حزمة العقوبات الجديدة على روسيا أسماء شخصياتٍ وردت تحت باقة ما يسمى الأوليغارش، وهي مجموعة من المليارديرات الذين كدّسوا ثروات تحت عين النظام الروسي، أو برعايته، أو بتسهيلاتٍ كبيرة وحصرية منه. تستهدف العقوبات الثروات السائلة والعينية والعقارات والأملاك المتناثرة على طول دول العالم الغربي، وتتضمّن فنادق ومشاريع ومنتجعات وأندية رياضية شهيرة وإمبراطوريات مالية في قطاعات الطاقة والنفط، وهي جهودٌ لا تبدو الولايات المتحدة وحلفها الغربي يمتلكان غيرها لوقف الزحف الروسي على أوكرانيا، فقد أعلن الرئيس جو بايدن ومجموعة من قادة دول الغرب أنهم بعيدون عن التدخل العسكري، وتمادى بايدن فقلل من شأن فعالية تزويد أوكرانيا بالسلاح، وقد قال عن جهود بولونيا في إرسال طائرات إلى أوكرانيا، إنّه نشاط لن يغيّر شيئاً، وقد يوسّع من دائرة الحرب! في نزوع إلى ترك بوتين وملعبه الأوكراني والتفرّغ لفرض العقوبات السياسية والاقتصادية، ومنها استهداف شخصيات قريبة من بوتين، تمتلك الثروة والنفوذ والحظوة لديه.

نشأت الطبقة المالية المعروفة حالياً بالأوليغارش على دفعتين. تخرجت الأولى في أوائل التسعينيات، عندما انفرط عقد الاتحاد السوفييتي، ونظامه الشيوعي الذي ضم أوروبا الشرقية كلها. حينها سارعت الدولة الروسية إلى بيع ممتلكات السوفييت، فجمَّعت المجموعةُ الأولى من الأوليغارش الثروات، من شراء الشركات والمصانع والمؤسّسات السوفييتية بأبخس الأسعار، بالتواطؤ مع الطبقة الحاكمة لتوفير هامش رشوةٍ لها، فظهر في المشهد رجال أعمال وضباط أمن وجيش أثرياء وموظفون مدنيون آخرون. وجاءت الدفعة الثانية بعد أن تولى بوتين السلطة، من الذين حصلوا على عقود طويلة ودسمة مع الحكومة الروسية، وأوكل إليهم تنفيذ المشاريع الضخمة، أو التوريدات الكبيرة بأسعارٍ أعلى من أسعار السوق، ما أتاح المجال لحساباتهم بالانتعاش، فالتفّوا حول بوتين والتصقوا به، للحصول على مزيد من العقود، حتى شكّلوا طبقة بوتين الخاصة من العملاء الأثرياء الذين أفرغوا خزائن روسيا في جيوبهم، وخرجوا بها من البلاد، لشراء عقاراتٍ ومؤسسات كبرى، ولكنهم بقوا على ولاء مطلق لبوتين ونظامه الذي أفسح لهم مجالا واسعا ليصبحوا على ما هم عليه.

قد لا ينطبق التعريف الاصطلاحي للأوليغارشية على مجموعة رجال الأعمال الذين استحدثهم التغير في الاتحاد السوفييتي، والطفرة التي لحقته ممن تستهدفهم العقوبات الأميركية والأوروبية، فهؤلاء لا يحكمون مباشرة، ولا يتدخلون في السياسة، وقسم كبير منهم يعيش خارج روسيا بشكل دائم، وبعضهم يحمل جنسياتٍ مختلفة. أما الحكم والسياسة فهما من اختصاص بوتين فقط، وتقتصر مهمة هؤلاء على دعمِ ما يريده القيصر والدفاع عنه وتسويقه، لأن استمرارهم في النعيم يتوقف، وبشكل كامل، على مدى علاقتهم به ومستوى رضاه عن أدائهم. وبقاؤهم مرهون بيده، وهناك أمثلة عديدة عن مصير من جرّب منهم أن يخرج عن الطوق البوتيني الذي يكبّل عنقه.

شكل الأوليغارش فئة تخدم السلطة البوتينية المطلقة، ويمكن اعتبارها مؤسسة، رغم تعارض بعض مصالح أعضائها الداخلية، وتشعب المجالات التي يعملون فيها، ولكنها في المحصلة آلة سلطوية يقوم الكرملين بتدويرها وتشغيلها، وتوقيفها إن أراد.

مثل العقوبات التي سبق وطبقت، سيؤثر استهداف هؤلاء على الاقتصاد الروسي، فهم يرفدون خزينة دولتهم، ويمكن أن يُحرَم بوتين من ذراع مالية له ممتدة عبر العالم، وخصوصا في أوروبا، لتغلغلهم في أماكن حسّاسة في اقتصادياتها، والتركيبة الأيديولوجية والعقلية لهم لا تختلف عن عقلية السلطة الروسية، وهي تتبنّى تقريباً الآراء نفسها وتتخذ المواقف نفسها التي قد تصل إلى حد العداء للغرب، وللمجتمعات التي يعملون فيها ويحملون جنسياتها!

لن يكون تطبيق العقوبات على الأثرياء الروس حاسماً وجوهرياً في تغيير قرارات بوتين، وهو يتّخذها بمعزل عنهم، وعليهم أن يتصرّفوا بموجبها، كلّ حسب موقعه "والجبهة" التي يعمل فيها، بحكم انتمائهم إلى مؤسّسة تابعة للسلطة تنفذ قراراتها، وليست مجموعة من الأوليغارش تحكم حسب مصالحها، بحسب التعريف الرسمي للتسمية.

فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية