رد وتعقيب على "الإمارات في القدس"
تلقت "العربي الجديد" الرد التالي من رئيس مجلس القدس للتطوير والتنمية الاقتصادية، سري نسيبة، يعقّب فيه على معلومات وردت في مقالة لرئيس قسم الرأي، الزميل معن البياري، نشرت في 26/4/2021، بعنوان "الإمارات في القدس"، وننشره عملا بحق الرد.
في مقاله في "العربي الجديد" بتاريخ 26 إبريل، "الإمارات في القدس"، تناول الكاتب معن البياري تهماً توجّه إلى دولة الإمارات، وإلى مجلس القدس الذي أديره، تدّعي التورّط في شراء العقارات المقدسية وتسريبها إلى اليهود. و"لتثبيت" هذه التهم الباطلة التي وردت أولاً في موقع "عمّون" الإخباري في سياق الفتنة في الأردن، واعتقال باسم عوض الله لتورّطه فيها، استشهد الكاتب بتقريرٍ لا علاقة له بالتهم قيد النظر حول موضوع تسريب الأراضي من خلال مؤسساتٍ أجنبيةٍ "وهمية"، وضعه المكتب الوطني للدفاع عن الأراضي التابع لمنظمة التحرير. وللعلم، ما جاء في التقرير وغيره من التقارير الموضوعية التي يصدرها المكتب الوطني، بما فيها تلك بخصوص استعمال الشركات والمؤسسات "الأجنبية"، يعكس الحقيقة فعلاً، كما كان الحال في عقار جودة مثلاً، الذي سآتي على ذكره لاحقاً. لكن من الضرورة التنويه بأن التقرير المشار إليه لا يذكر الإمارات والمجلس في القدس من قريب أو بعيد أصلاً! أما تقرير وكالة "عمّون"، فهو يشوّه الحقائق من دون دلائل أو إثباتات. ثم ينتقل الكاتب إلى "الاستشهاد" بأحدهم في القدس الذي ادّعى، في مقالٍ كيديٍّ له، وبدون وجه حق أو إثبات، أن المجلس عرض على أصحاب المتاجر في القدس شراء عقاراتهم لصالحه، وهذا الاتهام باطلٌ جملة وتفصيلاً.
لا أريد التطرّق إلى النظريات السياسية الوهمية التي يستشفها الكاتب من هذه الإشاعات، لكنني أجد لزاماً عليّ توضيح الحقيقة للقرّاء الذين تهمهم القدس فعلاً، ومن حقهم أن لا تلعب الإشاعات المغرضة في عقولهم.
وأبدأ بالقول إن مجلس القدس لم يشترِ أو يبِع أي عقار في القدس، وإنما تم تخصيص أموال المنحة من صندوق أبوظبي (وباتفاقيةٍ رسميةٍ بينهما) لمساعدة مؤسسات المجتمع المدني في القدس، في مجالات المرأة ورعاية الأطفال والشباب والتعليم والصحة والفن وغيرها. لم تشترط دولة الإمارات علينا أية شروط، كذلك فإننا لم ولا نشترطها على أحد. ولقد أنجزنا مرحلتين من هذه المبادرة حتى اليوم، وذلك وفق تقارير مالية مدقّقة رفعناها إلى الصندوق. ونأمل مستقبلاً أن نرفع طلباً جديداً للصندوق لتوفير مساعدةٍ في مجال الإسكان للفئات الشابة والمحتاجة. ولا يسعنا، كمقدسيين، إلا أن نرفع أسمى آيات الشكر لدولة الإمارات، لتقديم هذا العون لسكان المدينة.
الوضع في القدس خطير جداً، ويستدعي العمل الموحد والجاد بين الأطراف كافة التي يهمها تحصين المدينة وسكانها من توغل الأسرلة فيها
أما الآن، فسوف آتي لعلاقة محمود عباس بمحمد دحلان، وهذا في موضوع عقار جودة: نعلم طبعاً بالحقد الشديد الذي يكنّه عباس لزميله السابق محمد دحلان، وعن محاولاته المستمرّة لتشويه صورته، وهذه قصّة يلزم إفراد تحقيقٍ خاص بها. لكن هذا العداء كان هو للأسف وراء ما آلت إليه الأمور في عقار جودة! فعندما وصلت إلى مسامع دحلان أن جودة يريد بيع عقاره في حارة السعدية، وصل إليه أيضاً استجداءٌ من بعض المخلصين لشراء هذا العقار، كي يلجم أية محاولة لشرائه من قبل المستوطنين. وقام دحلان فعلاً، من خلال فادي السلامين، بتقديم عرض للشراء، ووضع مبلغاً أولياً من المال في أحد بنوك السلطة لتنفيذ الصفقة. لم يرُق هذا التدخل الجهاز الأمني في السلطة، فوضع اليد على الحساب البنكي، وألغى الصفقة، ووعد جودة بأن يلقى له مشترياً بديلاً. لن أذهب بعيداً هنا سوى القول إن هذا البديل كان هو الذي اشترى وباع لشركة أجنبية وهمية كانت الوجه للجمعية الاستيطانية. ولقد أصبحت هذه الحقائق معروفةً، خاصة بعد أن شكل رئيس الوزراء السابق لجنة للتحقيق في ملابساتها، لم تظهر نتائجها للنور، لأسباب يعرفها كل لبيب.
أما قضية التسريب الأخرى، التي صادف ظهورها للسطح مع الفتنة في الأردن الشقيق (وظهر خلالها تقرير وكالة "عمّون" المذكور آنفاً)، فتتعلق بسكان عمارةٍ في سلوان، قام بعض أصحابها ببيع ما يمتلكونه للمستوطنين من خلال سلسلة وسطاء ومحامين. ولقد كانت يقظة الناس كفيلة بأن يُكشَف عن ملابساتها جميعاً (أسماء البائعين والمشترين والوسطاء)، ونشر الوثائق والتسجيلات الصوتية ذات العلاقة على مجموعات التواصل الاجتماعي، بشكلٍ لا يدع مجالاً للشك في تورّط أي جهة أخرى، أكانت دولة الإمارات أم مجلسنا في القدس.
الخلافات بين أطراف سياسية قد تدفع بها إلى اتخاذ إجراءات أو إصدار إشاعات
يبقى أن أقول إن قضية سلوان وبطن الهوى وبعض العقارات في البلدة القديمة وفي محيطها، كقضية الشيخ جرّاح وغيرها، قضايا سياسية بالدرجة الأولى، بمعنى أن المستوطنين يدّعون أنها ملكهم من فترة ما قبل الـ48. لا يعني هذا أن المستوطنين يستهدفون فقط هذه الأحياء والعقارات، لكنهم يستسهلون استهدافها بالاستناد إلى قوانينهم إن استدعى الأمر، ما يعني أن معركتها يجب أن تكون سياسيةً بالدرجة الأولى، وتتطلب، في جميع الأحوال، أن لا نسمح بإغراق ساحتها في ضبابية الإشاعات التي تحرف الأنظار عن الحقائق وعن الأشخاص والجهات المتورّطة حقيقة فيها.
أدرك أن الخلافات بين أطرافٍ سياسيةٍ قد تدفع بها إلى اتخاذ إجراءات أو إصدار إشاعات، الهدف منها الإضرار إعلامياً بمن تراه عدوّاً لها، لكنني أعتقد أن القدس يجب أن تبقى فوق هذه الاعتبارات، فالوضع فيها خطير جداً، وتستدعي العمل الموحد والجاد بين هذه الأطراف كافة التي يهمها تحصين المدينة وسكانها من توغل الأسرلة فيها.