رحلة اضطهاد الإيغور في الصين.. من الجواسيس إلى الكاميرات

08 فبراير 2021
+ الخط -

يعود ملف قومية الإيغور إلى الساحة، بعد تسريبات بخصوص ملف المراقبة الأمنية الشديدة المطبقة على إقليم تشينجيانغ (شمال غرب الصين). وإن كان النظام الصيني يطبق نظم المراقبة على مواطني كل أقاليم البلاد، إلا أن الحصة الأكبر من التشديد والشراسة الأمنية هي من نصيب الإقليم الذي يقطنه، حتى العام 2020، حوالي 13 مليون نسمة ممن يحملون هوية الإيغور. .. والإيغور، بالنسبة إلى المجتمع الصيني، هم مجموعة عرقية مسلمة ذوو أصولية تركمانية، يعيشون في إقليم من المفترض أنه يتمتع باستقلاليته عن الصين. لكن الإعلام الصيني يروّج أنهم مجموعات انفصالية إرهابية معارضة للحكومة، ومعارضة أي عمليات دمج أو إدماج في القالب القومي الصيني؛ على الرغم من أن لأبناء القوميات الأخرى حرية الاعتراف بهويتهم الجمعية. 
نظام الأمن السيبراني الصيني
 يقوم قانون الأمن السيبراني الصيني على ربط بيانات جميع المواطنين والسياح والشركات العامة والخاصة بأجهزة لا مركزية، تعتمد في بنيتها على ربطها بجهاز الاستخبارات المركزي الصيني. توظف الصين أنظمة مراقبة المواقع الإلكترونية ضد القراصنة (Hackers) لأهداف التعقب، وملاحقة أي نشاطٍ من شأنه تهديد الأمن الداخلي الصيني. وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى جعل الفضاء الإلكتروني الصيني مضادًا للقرصنة (Hack - Proof)، فإنها تعمل هي بذاتها على اختراق حسابات المواطنين وقرصنتها، خصوصًا الذين ينتمون إلى أقليات عرقية أو دينية. وتصبّ هذه المحاولة في خانة احتكار القرصنة الإلكترونية (Cyper-Hacking Monopoly)، من شركات اتصالات حكومية وشبه حكومية، يشرف عليها جهاز الاستخبارات المركزي الصيني. وفي ظل تنظيم العمل الإلكتروني هذا، تعدّ بكين أي محاولة لإبداء رأي جماعي أو ديني جرمًا يعاقب عليه القانون. وقد أطلقت الصين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 قانون الأمن السيبراني الذي يحكم قبضة الحكومة الصينية على بيانات المواطنين والسيّاح في البلاد ومراقبتها وإدارتها بذريعة حمايتها من القرصنة، وبالتالي تخزينها فقط في مخدّمات صينية (Servers)، لتضمن عدم القيام بأي عمل مناهض للحكومة. ويحظر هذا القانون عدم نشر أية أخبار مباشرة أو أية إعلانات من دون تصريح بهذا الخصوص. وفي السياق ذاته، يحق للحكومة الصينية أن تحذف أي محتوى مشبوه وفق معاييرها الخاصة.

استغلت بكين الحرب ضد الإرهاب لإحكام قبضتها على الإيغور، وطبّقت قيودًا أمنية دينية وثقافية واجتماعية وسياسية صارمة

سخّرت الصين جهدًا كبيرًا لصياغة القانون وتنظيم عمل شركات الخدمة الإلكترونية، ووسّعت تعريف مشغلات الشبكة، لتتمكّن كبريات الشركات المالية من الحصول على سمة "مشغل شبكة"، وبالتالي ضخ أكبر قدر ممكن من التمويل في قطاع الأمن الرقمي. 
الإيغور على الخريطة الأمنية
يعدّ برنامج المراقبة الذي تطبقه الصين ضد الإيغور الأعقد عالميًا، إذ لديها القدرة على فرض رقابة انتقائية، تتعقب من خلالها كل أفراد الإيغور في أي حركةٍ يقومون بها أو أي عملية شراء تتم عبر الإنترنت. وعلى عكس إسرائيل وأميركا وفرنسا وروسيا، حيث تتسلم وسائلَ التعقب شركةُ مراقبة مركزية واحدة، تعتمد بكين على نظام مراقبة لا مركزي، تنفّذ نشاطاته مئات الشركات الإلكترونية والأمنية التي تجمع بيانات ومحتوى معلوماتيا للفئات المستهدفة. تقدم مواقع المراقبة هذه، بالاشتراك مع آلاف مزوّدات خدمة الإنترنت، تقارير عن أفراد الإيغور وتحرّكاتهم بمعدل تقرير رصد كل ساعة وتقرير كل 24 ساعة؛ تتضمن آخر البيانات التي تم جمعها من نقاط المراقبة المنتشرة في الإقليم. تتنافس شركات الأمن الرقمي على خدمة الحكومة في مراقبة الإيغور، لأن الإقليم يشكل مناخًا مؤاتيًا لتجريب المشاريع الهندسية الخاصة بتطوير وسائل الإعلام وتطبيقات التواصل الاجتماعي وأنظمة المراقبة.  وتشكل هذه الشركات بالمجمل الجسد الأمني الرقمي في الصين، والتي تعتمد عليها الحكومة في جمع بياناتٍ تتخذها الصين مرجعًا في عملية التطهير العرقي في إقليم تشينجيانغ. ويمكن النظر إلى الشركات في هذا السياق على أنها تشكل نمط عنف رقمي قائم على قدرة رأسمالية الشركات الأمنية الرقمية على دفع الإيغور إلى التجرّد من هويتهم، على حساب إحياء هوية "الهان"، وربطها بأسلوب الحياة الاجتماعي الصيني.  
استغلت بكين الحرب ضد الإرهاب لإحكام قبضتها على الإيغور، وطبّقت قيودًا أمنية دينية وثقافية واجتماعية وسياسية صارمة، الأمر الذي أدّى إلى تصنيف الإيغور دوليًا أنهم "جهاديون". غضّ المجتمع الدولي النظر عن مراقبة الإيغور وقمعهم، سيما بعد سطوع نجم "الحزب الإسلامي التركستاني" الذي تعتقد بكين أنه مرتبط بتنظيم القاعدة. وتتخذ الصين من خطاب الحرب ضد الإرهاب ذريعة لتبرير الاستثمار الهائل في مراقبة الإيغور، وطمس معالمهم الثقافية وهويتهم الدينية والاجتماعية، وصهرها في القالب الصيني البحت. يتطلب هذا النوع من الهندسة الاجتماعية الجديدة القائمة على احتكار العنف الرقمي، وحتى المادي القائم على التمييز العرقي، والذي يستلزم نشر مئات آلاف من الجنود في شوارع الإقليم. 
تشكل مجموعات الإيغور حصرًا (وليس مسلمو جماعة "الهان" الذين تراهم بكين معتدلين) خطرًا على النظام الصيني بسبب المكوّن الثقافي والديني والاجتماعي الذي تتمتع به، والذي يشكّل هوية جمعية تعتقد بكين أنه يشكل تهديدًا لأمنها الداخلي. لا تهتم الصين للنقد الفردي الذي يوجهه الأفراد للحكومة أو السياسة الصينية، لكنها تقلق عندما يصبح النقد الفردي أداةً للحشد ضمن جماعات مثل الإيغور. وبالتالي، فإنها تسخّر تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تنظم عملها شركات الاتصالات الصينية لتمييز المنشورات، وتعقّب المتفاعلين معها بأي صيغة.

بعد الانتشار الهائل لتطبيق "تيك توك Tik Tok"، عملت الصين على حذف أي محتوىً يشير إلى أزمة الإيغور؛ بذريعة إبقاء التطبيق ضمن نظام الترفيه

بحسب مؤشّر بيت الحرية (Freedom House Index)، النظام الشيوعي في الصين هو الأكثر قمعية خلال عام 2020، لتحصل بكين على درجة -1 من 40 في مؤشر الحرية السياسية وحرية التعبير، و11 من 60 في الحريات المدنية، خصوصًا بعد احتساب اضطهاد الإيغور وقمعهم أنه أشد العوامل المؤثرة على مستوى الحريات في الصين. وتقنيًا، تخضع الصين إقليم تشينجيانغ لرقابة إعلامية تمنع أية أخبار أو صور من الانتشار خارجه، عبر ربط هواتف الإيغور بأنظمة مراقبة محلية تحلل الصور والكلمات التي يتم تداولها، وفق خوارزميات تميّزها وتحجبها من التداول.  وقد أطلقت الصين عام 2011 تطبيق "وي - تشات (WeChat) أداة تواصل اجتماعي متعدّدة الأغراض، وسمحت بدخوله إلى الإقليم، لكن دخوله كان لأغراض المراقبة؛ كون النسخة التي استخدمها الإيغور توظِّف الذكاء الاصطناعي لمسح (Scan) الصور ذات المحتوى المشبوه وحذفها. وكانت هذه النسخة، مع مستوى التقنيات الأمنية والاستخباراتية العالي التي تضمنتها، هي مجرّد تجربة أجرتها شركة تينسينت غوانغزهو (TGG)، وكانت هواتف الإيغور مجالًا مؤاتيًا لها، بهدف دراسة إمكانية جمع أكبر قدر ممكن من البيانات (معلومات اتصال وحسابات مصرفية وتعاملات ومعلومات صحية شخصية وغيرها). وفي عام 2017، عدلت الصين التطبيق ليشمل ميزات مراقبةٍ تعدّت حدود البلاد، ليتم حظر التطبيق في الهند والولايات المتحدة وروسيا؛ بسبب خطورته على الأمن المعلوماتي الداخلي المتعلق ببيانات المواطنين، والدوائر المحيطة بالسياسيين. 
بعد الانتشار الهائل لتطبيق تيك توك (Tik Tok)، عملت الصين على حذف أي محتوىً يشير إلى أزمة الإيغور؛ بذريعة إبقاء التطبيق ضمن نظام الترفيه، ومن دون محتوى سياسي أو ديني أو اجتماعي مسيء للثقافات، أو قد يسبب حساسية بين المستخدمين. في المقابل، في يناير/ كانون الثاني 2020، نشر موقع غلوبال تايمز (Global Times)، التابع للحكومة الصينية، فيديوهات على تطبيق "تيك توك" تصوّر الإيغور أنهم ينعمون بالعيش الآمن، ويمارسون حياتهم الطبيعية، في محاولة لبناء سردية مضادّة لسردية الفيديوهات التي تنتشر عن معاناة الإيغور؛ والتي تحذفها شركات المراقبة وفق خوارزميات معينة. 
وأصدرت الصين، عام 2015، قانون الأمن القومي؛ وبعد الصدامات التي حصلت مع الإيغور، عدلت الحكومة مادة أمن المعلومات، لتشمل بند التعامل مع المتطرّفين الذين يستخدمون وسائل التواصل في الصين؛ وعلى الأرجح يستهدف في مضمونه الإيغور. حتى عندما يستخدم الإيغور تطبيقات "VPN" للدخول إلى الإنترنت، فإنهم يكونون عرضة للقرصنة، بحجة الأمن السيبراني للبلاد. وقد دفعت هذه الإجراءات (بالإضافة إلى حظر استخدام "واتساب" و "فايبر" و"مسنجر" وغيرها) الإيغور إلى الاعتماد على الهواتف التقليدية (None-smart Phones)، لكن اتصالاتهم بقيت خاضعة للمراقبة بفعل القانون. وما يروّجه الإعلام الصيني أن مراقبة الإيغور هي لصالح الإقليم ضد أي خطر إرهابي متشدّد، وأن الحكومة تعمل على إعادة تأهيل السكان وفق منهج حديث قائم على مبادئ الثقافة الصينية العامة. ويدعم هذه الرواية النظام الصيني بالسماح للصحافيين في الدخول إلى الإقليم، لكن ما يجري هو منع هؤلاء من تصوير أية مادة إعلامية تظهر واقع الإقليم الذي تحوّل إلى سجن كبير، يمنع فيه أي عمل يدلّ على هوية الإيغور، بدءّا من حظر ارتداء الحجاب، وليس انتهاءً بإجبار الرجال على حلق اللحى، وغلق المساجد.

متظاهرون أمام السفارة الصينية في برلين ضد قمع الحكومة الصينية الإيغور (23/1/2021/ الأناضول)

تقنيات تعقب الإيغور
بالإضافة إلى طرق التعقب التقليدية عبر زرع جواسيس ومخبرين غير معروفين، بدأت الصين بتعقب الإيغور عبر تقنية النمط الظاهري للحمض النووي، والتي تم اختبارها لإنشاء صورة وجهٍ لكل فرد من أفراد الإيغور. اختبرت بكين هذه التقنية، وأنشأ المطوّرون صورًا قريبة من حقيقة الأشخاص أصحاب العيّنات من مقاطعة تومتشوك في إقليم تشينجيانغ. على مستوى أعمّ، وفور بدء جائحة كورونا، أعملت الصين هذه التقنية التي ساعدتها على احتواء الجائحة في البلاد، الأمر الذي رفع رصيد مختبرات وزارة الأمن العام الصيني المتخصّصة في تطوير تقنيات التعقب؛ وبالتالي إيجاد سوق جديدة لها خارج حدود البلاد.

وجدت شركات الاتصالات الصينية، وشركات تطوير تطبيقات التواصل الاجتماعي، في تشينجيانغ حقلًا خصبًا لاختبار آخر ما توصلت إليه من تكنولوجيا مراقبة أمنية

التقنية الأبرز هي التعرف على الوجه (Facial Recognition) باستخدام كاميرات مراقبة (CCTV) عالية الجودة مزروعة في زوايا الأبنية والشوارع في الإقليم، تشبه في عملها تلك التي تستخدمها الاستخبارات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة. تعمل وحدات المراقبة التابعة لشركات الاتصالات والأمن الرقمي الصينية على تحليل بيانات واردة إليها من كاميرات مراقبة تتحرّك في 360 درجة، تتضمن تمييز الصوت والصورة ومطابقتها مع عينات الحمض النووي والبيانات التي تخصّ كل فرد من الإيغور. تخزّن وحدة أمن المعلومات في تشينجيانغ بيانات سكان الإقليم، وتفرزها بناءً على خوارزمياتٍ تحلل نشاطات السكان، وتحدد أي سلوك تعدّه الحكومة الصينية تهديدًا. جعلت بكين مسح الوجه إجباريًا لكل مستخدمي الهواتف المحمولة. وبالنتيجة، تشكلت لدى شركات المراقبة المتخصصة بمراقبة الإيغور قواعد بيانات ضخمة تضم تحديثا يوميًا لهيئة سكان الإقليم وصورتهم. وتسعى الصين إلى تعميم تجربة المراقبة والتعقب المستخدمة في تشينجيانغ على جميع أنحاء البلاد في خطوةٍ هي الأعنف من نوعها في تاريخ عمالقة التكنولوجيا.
وتجري "هواوي" تجارب على برمجيات تجسّس تسمى "منبّه الإيغور" ترسل معلوماتٍ إلى السلطات الأمنية الصينية، بموجب تقنيات الذكاء الاصطناعي تصف الأفراد الذين تم رصدهم، وتصنّفهم بحسب العِرق واللون والعمر والجنس. وقد أكدت وثيقة سربتها منظمة أبحاث "IPVM" أن "هواوي" اختبرت التقنية بالتعاون مع شركة "Megvii" المتخصّصة في تصميم برامج التعرّف على الوجه عبر احتكار نظام "Face Plus-Plus" القادر على تصنيف هوية أي كائن بشري في العالم وفرزها. 
وجدت شركات الاتصالات الصينية، وشركات تطوير تطبيقات التواصل الاجتماعي، في تشينجيانغ حقلًا خصبًا لاختبار آخر ما توصلت إليه من تكنولوجيا مراقبة أمنية. وباختراق خصوصية المستخدمين، فإن شركةً هواوي قادرة على جمع بياناتٍ لأدق التفاصيل الحياتية الخاصة بالإيغور، من قبيل معرفة عدد المرّات التي يذهبون فيها إلى المسجد يوميًا، وإلى السوق، والبضائع التي يطلبونها عبر الإنترنت، ومعرفة اهتماماتهم من خلال سجل البحث الخاص بكل هاتف. ومن خلال تقنية التعرّف على الوجه، وبصمة العين المستخدمة، بديلًا عن كلمة المرور في الهواتف الذكية، تستطيع شركات المراقبة الأمنية تعقب تغيير أية ملامح على وجه المستخدمين الإيغور، مثل إطلاق اللحية أو حلقها، كأبسط مثال لبيان التوجهات الدينية في الإقليم.

ملف الإيغور من الملفات المهمة بالنسبة للسياسيين الأميركان، وعلى أعلى مستوى في البيت الأبيض، نظرًا إلى حساسية الصراع بين المعسكرين، الصيني والأميركي

ولا تتمتع هذه الشركات بسمعة طيبة فيما يخص ملف حقوق الإنسان، إلا أنها تصدّر تقنيات المراقبة إلى ما لا يقل عن 18 دولة. تُدرّ أنظمة المراقبة أرباحًا خيالية على الشركات المصنعة؛ فشركة "Hikvision" التي تمتلك الحكومة الصينية أسهمًا فيها، كانت قد كسبت عام 2018 وحده أرباحًا تقدر حوالي سبعة مليارات دولار، كونها المزوّد الأول لتكنولوجيا المراقبة بالفيديو. وفي 2019، نشرت شركة Pyronix التابعة لمجموعة Hikvision آلاف كاميرات المراقبة في أحياء هامرسميث وكنسينغتون وفولهام في بريطانيا ضمن صفقة أمنية إلكترونية بقيمة 50 مليون دولار. وإن كانت هذه التكنولوجيا تستخدم لأغراض المصلحة العامة، كمراقبة المؤسسات التعليمية والمصارف ومؤسسات الخدمة المجتمعية وغيرها، إلا أن من شأن الأنظمة القمعية في العالم الاستفادة من تجربة الصين الأمنية والاستخباراتية في تعاملها مع حالة الإيغور، وتنفيذها في بلدانهم.

امرأة في لندن تدعم الإيغور في وجه انتهاكات حقوق الإنسان من الحكومة الصينية (8/10/2020/ الأناضول)

الإيغور  بين أميركا والصين
ملف الإيغور من الملفات المهمة بالنسبة للسياسيين الأميركان، وعلى أعلى مستوى في البيت الأبيض، نظرًا إلى حساسية الصراع بين المعسكرين، الصيني والأميركي. ربما كان الملف الوحيد الذي اتفق عليه كل من الرئيسين بايدن وترامب، لعلاقته الوثيقة بانتهاكات الصين حقوق الإنسان في إقليم الإيغور، وإجبار المحتجزين على العمل في معسكراتٍ تدّعي الصين أنها معسكرات تأهيل وإدماج.  يقدر عدد الإيغور المحتجزين في المعسكرات بحوالي 1.5 مليون، وفق تقارير منظمات حقوق الإنسان؛ وكان مجلس النواب الأميركي قد أقرّ في سبتمبر/ أيلول 2020 قانون الإفصاح عن العمل الجبري FLPA، والذي يتضمن أيضًا عقوباتٍ على مجموعة من المسؤولين الصينيين المتورّطين في قمع الإيغور، وإجبارهم على العمل ضمن ظروف غير إنسانية.  دخلت شركة الاتصالات آبل APPLE على الخط، إذ تفيد التقارير المسربة بترحيل حوالي 80 ألفًا من الإيغور إلى مصانع "آبل"، وإجبارهم على العمل سخرة ساعات طويلة، وفي ظروف مزرية، ليتوافق مع نهج الحكومة الصينية في قمع الإيغور. 
بالإضافة إلى ذلك، تفرض شركة آبل رقابة شديدة على العمال الإيغور الذين تسخّرهم الصين للعمل في مصانعها، وتُخضعهم لدروس تأهيل وتعلم لغة "المندرين" الرسمية والمستخدمة في أرجاء الصين. ويقضي قانون الإفصاح عن العمل الجبري بمنع استيراد أي منتجٍ مصنّع في إقليم تشينجيانغ، ما لم يرفق بشهادة تبين عدم إنتاجه من الإيغور المحتجزين والمجبرين على العمل. ترفض "آبل" هذه الادعاءات، متذرعة بأنها تمتلك أقوى إرشادات للمورّدين في الصناعة، بالإضافة إلى أنها تدقق بانتظام في شركائها المنخرطين في سلاسل التوريد والتصدير الخاصة بالشركة.  
لا ننفي أن قرارًا مثل هذا يأتي ضمن سلسلة المواجهات وفرض العقوبات والضرائب المتبادلة بين واشنطن وبكين، إلا أن ما تقوم به بكين وشركات التكنولوجيا العاملة فيها يطرح تساؤلات عديدة بشأن ماهية التعاملات الأمنية التي تنفذها الحكومة في تشينجيانغ. وهذا ما دفع ترامب إلى وصف ما تقوم به الصين اليوم أنه "إبادة جماعية" بحق الإيغور، بحساب أن ما تقوم به هو من أنواع التطهير العرقي، القائم على المراقبة والتعقب، بهدف محو الهوية الدينية والعرقية لأقلية مجتمعية.

5050C93B-6DCD-4591-A085-582E58AAC0F8
5050C93B-6DCD-4591-A085-582E58AAC0F8
مهيب الرفاعي

كاتب وباحث سوري في معهد الدوحة للدراسات العليا

مهيب الرفاعي