دلالات نتائج الانتخابات المهنية في المغرب
حملت نتائج الانتخابات المهنية في المغرب، والتي جرت يوم 6 أغسطس/ آب الجاري، حزمة دلالات، أبرزها الانتكاسة التي مني بها حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، بعد أن حلّ ثامنا بـ49 مقعدا، مسبوقا بأحزاب التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والاتحاد الدستوري، والتقدّم والاشتراكية. كانت هذه الانتكاسة متوقعة، في ضوء النتائج المتواضعة التي حققها الحزب في انتخابات ''ممثلي الموظفين في اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء'' في يونيو/ حزيران المنصرم، إذ لم يحصل ذراعه النقابي، الاتحاد الوطني للشغل، سوى على 21 مقعدا، أي ما يعادل 5.6 % من عدد الأصوات المعبّر عنها. وبذلك تزداد شعبيته تراجعا داخل الطبقة الوسطى، سواء بين الموظفين والأجراء، أو بين مكوّنات البرجوازية المتوسطة من تجار وحرفيين وغيرهم، ما يعني أنه أخفق في الحفاظ على تأييد شرائح اجتماعية واسعة، تمثّل الحساباتُ الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والضريبية حجر الزاوية في انشغالاتها السياسية. في المقابل، نجحت الأحزاب المحافظة والليبرالية في إعادة تشكيل شبكات نفوذها داخل هذه الطبقة، من خلال هيمنتها، بدرجاتٍ متفاوتة، على غرف الفلاحة والتجارة والصناعة والخدمات والصناعة التقليدية والصيد البحري، فقد حصل "التجمع الوطني للأحرار" على 638 مقعدا، و"الأصالة والمعاصرة" على 363 مقعدا، و"الاستقلال" على 360 مقعدا، و"الحركة الشعبية" على 160 مقعدا.
عوامل مركبة، داخلية وإقليمية ودولية، أفضت إلى هذا التراجع المهول في شعبية الحزب الإسلامي، فمن جهة، كان لطول المدة التي قضاها على رأس الحكومة أثره البالغ في إنهاكه تنظيميا وسياسيا، يُضاف إلى ذلك مسؤوليته السياسية عن الملفات الاجتماعية الكبرى، وفي مقدمتها إصلاح صناديق التقاعد الذي استهدف، بالأساس، ضرب المكاسب الاجتماعية للطبقة الوسطى. وجاء ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني ليجد الحزب نفسه في ورطةٍ سياسيةٍ وأخلاقيةٍ غير مسبوقة، أجهزت على ما تبقى من رصيده داخل المجتمع، هذا من دون القفز على فشل الحزب في تطبيع علاقته مع الدولة العميقة، على الرغم من التنازلات التي قدّمها خلال السنوات الماضية.
قد يقول قائلٌ إن حسابات الانتخابات النقابية والمهنية غير تلك التي تَحكم الانتخابات الجماعية والتشريعية. كما أن الكتلة الناخبة التي صوّتت في الانتخابات النقابية والمهنية تختلف، سوسيولوجيا، عن التي ستصوّت في استحقاقات الشهر المقبل. نعم، هذا صحيح إلى حد ما. على الرغم من ذلك، تقدّم نتائج الانتخابات المهنية صورة أولية، لما سيكون عليه الوضع في الانتخابات الجماعية والتشريعية، هذا إضافة إلى أن نتائج الانتخابات المهنية ستلقي بظلالها على تركيبة مجلس المستشارين المقبل، على اعتبار أن حضور "العدالة والتنمية" في هذا المجلس لن يكون وازنـا، بالنظر إلى النتائج المتواضعة التي حققها في الانتخابات النقابية والمهنية. وإذا وضعنا ذلك كله ضمن الحسابات الإقليمية والدولية، ستغدو الصورة أكثر دلالة، فهناك تراجع لافت لتشكيلات الإسلام السياسي المعتدل في المنطقة. ومن سوء حظ الإسلاميين المغاربة أن الانتخابات المهنية والجماعية والتشريعية تتزامن مع ارتدادات الأزمة التونسية التي يبدو أنها ستؤثر، ولو بشكل غير مباشر، على موقعهم ضمن معادلات اقتراع الشهر المقبل. بمعنى أن دورة إدماج الإسلام السياسي المعتدل في السياسة العربية قد وصلت إلى الباب المسدود، لأسباب متداخلة يطول الخوض فيها. ولا يبدو أن القوى الإقليمية والدولية المعنية، بدرجةٍ أو بأخرى، بمستقبل حزب العدالة والتنمية (الإمارات، السعودية، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، فرنسا..) متحمّسة لتدشين دورة أخرى يكون فاعلا رئيسا فيها.
هل يبدو "العدالة والتنمية" المغربي مقبلا على انتكاسة انتخابية وسياسية خلال استحقاقات الشهر المقبل؟ يصعب التكهن بذلك، إلا أنه بات شبهَ مؤكّدا أن الحزب على موعد مع منعرج مفصلي في مسيرته.