دكتور حمدين يرد على مستر صباحي
"أكد السياسي حمدين صبّاحى، المرشح الرئاسي الأسبق ومؤسس حزب الكرامة والتيار الشعبي، والأمين العام للمؤتمر القومي العربي، أن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي للحوار الوطني المزمع عقده في الأيام القليلة المقبلة لم تستثن أحدًا، مشدّدا على أن الاعتراف بشرعية رئيس الجمهورية ودستور 2014 شرطان أساسيان أمام جماعة الإخوان المسلمين للمشاركة في أي حوار سياسي تتبناه السلطة".
النص أعلاه من عرض الصحف المصرية لما جاء في لقاء حمدين صبّاحي على فضائية الميادين اللبنانية، اعتبر فيه انتخابه أمينًا عامًا للمؤتمر القومي العربي تقديرا لدور لمصر في قلب أمتها العربية، ورغبة في أن تستعيد مصر هذا الدور.
حمدين صباحي 2022 مشغول، أو مكلّف بمهمة وحيدة، أو بالأحرى وظيفة جديدة، جعلته يتمتّع بامتيازات ومكافآت بقي محرومًا منها، منذ فضيحة جزيرتي تيران وصنافير، إذ صار الآن بإمكانه أن يصطحب شلّةً من أصدقائه ويسافر إلى بيروت، ومن هناك يطلق صيحات الهتاف بحياة نظام بشار الأسد، ويرسل عبارات الغزل والمديح للنظام الإيراني، ويلبس حسن نصر الله أزياء جمال عبد الناصر، ويجري انتخابه أمينًا عامًا للمؤتمر القومي العربي، ويحيّي الزعيم عبد الفتاح السيسي.
هذه المهمة، أو الوظيفة التي عاد إليها، هي البحث عن شرعيةٍ للسيسي، داخليًا وخارجيًا، وهي الوظيفة التي استأنفها بحماسٍ شديدٍ وفرح طفولي، منذ دعاه الجنرال إلى إفطار رمضاني احتفالًا بمسلسل "الاختيار 3" المبارك، وهو الاحتفال الذي خرج منه صبّاحي بهديةٍ أولى، هي العفو عن "ابنه الروحي" الصحافي الشاب الخلوق حسام مؤنس، الذي كان ضمن المحبوسين في قضية "خلية الأمل"، فيما بقي زملاؤه في السجن.
السيسي، على لسان حمدين، أو قل حمدين بلسان السيسي، يحدّد اشتراطات المواطنة ومسوّغاتها بأنها الاعتراف بشرعية الجنرال الذي تولّى السلطة بانقلاب دموي، وشرعية نظامه. هذا ما يعلنه حمدين، وليس هناك أفضل من يردّ على هذه المعادلة الفاسدة للمواطنة سوى صبّاحي نفسه.
في بيان نشره صبّاحي قبل يومين عن نتائج انعقاد المؤتمر القومي العربي في بيروت، قال في بيان إلى الأمة: "في ظل قصور الحالة الاستقلالية لدى معظم الدول العربية، أصبح النضال من أجل الاستقلال الوطني والأمن القومي هدفاً للنضال المستمرّ لدى أبناء الأمّة التي عليها أن تعي أهمية الموضوع، وأن تفرض إيقاعها لتحقيقه وللتفلّت من التبعية للخارج والتحرّر من أنظمة القمع مع التأكيد على النضال السلمي". "يدين المؤتمر بأشدّ عبارات الإدانة والشجب والاستنكار سعي بعض الدول العربية للتطبيع مع العدو الصهيوني، وفتح بلدانها أمام جيشه واقتصاده وقطعان مستوطنيه وسياسييه، ويعتبر التطبيع خيانةً للأمة وتفريطاً بحقوقها، لا سيما أمنها القومي وسيادتها واستقلالها، ويدعو إلى وقف التطبيع فوراً وبشتّى الأشكال". و"يدين المؤتمر سعي دول عربية للدخول في أحلاف عسكرية مع العدو الصهيوني، ويشجب محاولات إنشاء التحالف الشرق أوسطي للدفاع الجوي، وهو تحالفٌ لحماية الكيان الصهيوني، وسدّ الثغرات في بنيته الدفاعية التي فضحتها المقاومة".
أزعم أنك لو طبّقت هذه "المعايير الحمدينية" على السيسي ونظامه لوجدته مستحقًا لها بجدارة، إذ لا أحد ينافسه في الاستبداد والقمع، ولا أحد يصل إلى نصف أدائه في "التطبيع مع العدو الصهيوني وفتح بلدانها أمام جيشه واقتصاده وقطعان مستوطنيه وسياسييه"، ومن ثم كل مواصفات الخيانة، كما حدّدها "دكتور جيكل حمدين" أمين عام القوميين العرب تنطبق على الجنرال الذي يناضل "مستر هايد صبّاحي" من أجل إثبات شرعيته، وانتزاعها انتزاعًا من أفواه خصومه ومعارضيه، إذا كانوا راغبين في دخول جنة الحوار الوطني.
السيد حمدين صباحي، قبل خمس سنوات فقط، وضع تعريفًا جامعًا مانعًا للسيسي ونظامه، نشره على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك، مصحوبًا بمقطع فيديو، تحت عنوان "نظام السيسي كما يراه حمدين صباحي 30 سبتمبر/ أيلول 2017، جاء فيه: "عبد الفتاح السيسي هو النسخة الأكثر رداءه من نظام مبارك. هو الاستبداد فجا وفاجرا. هو العداء للفقراء وهو الانصياع لصندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الغربية.. هو التبعية والرضوخ للمهيمن الاستعماري. هو العلاقات الدافئة مع العدو الصهيوني وهو الضحكات المبتذلة مع ممثل الكيان الصهيوني. هو التفريط لأول مرة في تاريخ مصر في أرض مصر في تيران وصنافير. وهو العدوان بالقمع والسجن والمطاردات والاختفاء القسري والقتل خارج القانون على كل صوتٍ حر. وليست شيماء الصباغ إلا واحدة من رهط عظيم من الشهداء على يد هذا النظام الفاسد المستبد..
آن الأوان أن تعلم مصر وشعبنا العظيم أنه مش رهين المحبسين جماعة الاخوان وجماعة مبارك السيسي، ومش ذنب الشعب المصري كل ما يشكو من مر الأسعار أن يهدّدوا بعودة الإخوان .. الحقيقة أن المصريين كفروا بالجماعتين الإخوان وضد جماعة مبارك السيسي، وأن العيب فينا احنا لأننا مش قادرين نتوحد علشان نقدم بديل".
هذا هو رأي السيد حمدين القاطع في السيسي ونظامه، بينما السيد صبّاحي على الجبهة الأخرى يناضل من أجل شرعية الزعيم الوطني الذي فرّط في جزيرتي تيران وصنافير، ودخل في أحلاف ومحاور بقيادة العدو. المشكلة هي أننا لا نعرف من نصدّق: دكتور حمدين 25 يناير أم مستر صبّاحي 30 يونيو؟
تسع سنوات ولا يزال الجنرال ونظامه وحمدينه فاقدين الإحساس بشرعيتهم، على الرغم من كل هذه الهدايا والضحايا.