درعا التي لا حظ لها ولا جيران
لطالما قيل، منذ اندلاع الثورة السورية، إن أقوى سلاح بيد النظام حظه الذي يفلق الصخر، كما يردّد أهل بلاد الشام. والحظ الباسم هنا يشترط وجود آخر بائساً هناك، أي عند الذين يحلمون بالتحرّر من حكم الطاغية، وقد اختصروا المعادلة بلغتهم الشعبية: يا الله ما لنا غيرك يا الله. وربما كانت درعا أوضح مثال على انعدام حظ السوريين ووفرته بالنسبة للنظام. منذ كتب أولئك الأطفال حِكمتهم على جدران درعا، وأهل المحافظة الجنوبية يتساءلون حائرين: كيف يمكن أن تتفق كل الظروف ضدنا إلى هذه الدرجة؟ كيف يمكن أن يكون موقعنا الجغرافي المحاذي للأردن وللجولان لعنة بهذا الشكل؟ لم يتأخر النظام عن تقديم الأجوبة: درعا فرصة استثنائية لبقائي. أميركا شديدة الاهتمام بالمحافظة لقربها من إسرائيل. روسيا وإيران تتنافسان على أرضي، إذاً فلنترك لروسيا أن تكون وسيطاً بين أطراف كثيرة. الجانب الشكلي الذي يظهر اليوم من أكذوبة دور الحكم لروسيا بين النظام وأهل درعا البلد، لا يخفي الوساطة الروسية الحقيقية بين إيران من جهة، وأميركا وإسرائيل من ناحية ثانية. والوسيط في السياسة يمكن أن يصبح حاكماً بأمره مثلما هو معلوم. هكذا أقنعت موسكو واشنطن باتفاقٍ نهاية 2017 لوقف القتال بين قوات النظام ومسلحي المعارضة، وقد مهّد الأرضية لاتفاق روسي – إسرائيلي، برعاية أميركية، لإبعاد إيران ومليشياتها عن الحدود الإسرائيلية عشرات الكيلومترات. كان منطقياً على ضوء ذلك دفن غرفتي "الموك" و"الموم" لتدريب الفصائل المسلحة ودعمها. أهالي درعا، بأوضاعهم الكارثية، ربما رأوا، عن حق، أن الشيطان الروسي ألطف من ذلك الإبليس الإيراني، ذلك أنّ روسيا، التي تتصدر لائحة قَتَلة السوريين، لا ترغب في تغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة على الأقل. أما إيران، فمشروعها الطائفي الإحلالي كفيل بجعل الضحايا يفضلون قاتلهم الروسي.
لم يكن الأردن بعيداً عن جولات الاتفاقات الأميركية الروسية الإسرائيلية. اضطر أن يستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين في الفترة الأولى للحرب، ثم أغلق الحدود. ظل متردّداً بين تفضيله بقاء نظام الأسد وعدم القدرة على المجاهرة بالرغبة الدفينة تلك. منعت المملكة أي شخص سوري يقيم هناك من الحديث في السياسة، وكانت حوادث حظر اجتماعات المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني في الأردن شديدة التعبير عن مدى تضامن عمّان مع الشعب السوري. أما اليوم، فقد دقّت ساعة إعادة تأهيل النظام السوري بالنسبة للأردن. أميركا أصدرت إعفاءات من قانون قيصر لكل من مصر والأردن ولبنان، فها هي الفرصة المؤاتية لتسريع الخطوات باتجاه قطف ما يمكن قطفه بفتح الحدود وتبادل اللقاءات مع حكام دمشق والمساهمة في تحصيل مكاسب إعادة الإعمار والتخلص من عبء اللاجئين وإعادة فتح طريق سورية ــ الأردن ــ الخليج والعمولة المجزية التي تحتاجها خزائن الأردن. لا تركيا ولا الأردن وافقا على استقبال أي من المطلوب تهجيرهم من درعا. حصار الـ76 يوماً لم تسمع به عمّان. هنا الحدود ليست أرحم مما هي في المقلب الآخر، عند الجولان. أما على الجهة الجنوبية الشرقية لدرعا، أي السويداء، فقد تكفل النظام طوال سنوات ببناء جدار طائفي نفسي شديد الارتفاع بين المحافظتين، ونجح في مسعاه. إذاً، لا حدود لدرعا ولا جيران.
سيرفرف علم النظام فوق المؤسسات العامة في المدينة، وسينتشر المحتل المحلي داخل أزقة درعا البلد، وسيسلّم أهل المدينة سلاحهم الفردي الذي آمنوا أنّه يحميهم ولو نفسياً من جرائم الفرقة الرابعة ومليشيات إيران، وسيهجَّر شباب صمدوا كلّ هذه السنوات. استسلام؟ نعم هو كذلك، لكن ما همّ؟ في إدلب وريف حلب دولة "هيئة تحرير الشام" تعزز بنيتها، وأتباع تركيا هناك يظنون أنّ الثورة انتصرت عندهم. غداً يتسابق العرب على إقناعنا بأنّ بشار الأسد تغيّر، مثلما تغيرت حركة طالبان، وأميركا مطمئنة إلى أمن إسرائيل. انتهى العرض، فلتغلق الستارة.