خيارات المحافظين بعد جونسون
بوريس جونسون هو رئيس الوزراء البريطاني المحافظ الثالث على التوالي الذي يُجبر على ترك منصبه في رئاسة الوزراء وزعامة حزب المحافظين.. واجه في الساعات الثماني والسبعين السابقة لاستقالته تمرّدا جماعيا من طاقم حكومته الذين استقالوا الواحد بعد الآخر، فسارع إلى إعلان استقالته هو الآخر، قبل أن يرى نفسه وحيدا. التمرّد الجماعي للمحافظين جاء بعد سلسلة اتهامات بالفساد وسوء استخدام السلطات والاستهانة بالقوانين التي أقرّتها الحكومة ذاتها، مرتكبوها هم جونسون أو مقرّبون منه، منها إقامته حفلات جماعية في مقرّ رئاسة الوزراء لم تراعِ قواعد التباعد الاجتماعي، فغُرِّم جونسون ماليا، وسارع بعدها إلى خطابٍ يشبه الاعتذار، وقال إنه دفع الغرامة مسرورا! ولكن ما قصم ظهره تعيينه شخصية مشبوهة، كريس بينشر، نائبا لمراقبة انضباط المحافظين في البرلمان، وواجه هذا النائب اتهاماتٍ بالتحرّش برجال، ما اضطرّه للاستقالة من منصبه في الحكومة تاركا جونسون يواجه تبعات اختياره الخاطئ، ولم تفلح التبريرات التي قدّمها رئيس الوزراء أمام الجميع، فتخلوا عنه، ما جعله يتهم أعضاء حكومته الذين استقالوا بشكل جماعي بالقطيع! من دون أن ينسى التذكير بأنه صاحب الفضل الأول في انتصار المحافظين الكاسح، حين فاز الحزب بأكبر أغلبية منذ عهد مارغريت تاتشر.
أبدى جونسون كثيرا من التطرّف في عهد تيريزا ماي التي فشلت في تحقيق خروج ناعم للبريطانيين من الاتحاد الأوروبي، وكانت على وشك التوقيع على معاهدةٍ مع التجمّع الأوروبي تنظَّم علاقة الخروج وعلاقة ما بعد الخروج، لكن جونسون استقال من الوزارة رفضا لمثل هذه الاتفاقية، ولم تلبث أن انهارت ماي وخرجت من الحكومة معلنة فشلها. في الاستفتاء على الخروج الذي جرى في يونيو/ حزيران 2016، أجاب أكثر من 51% بنعم، هذا الميل الشعبي هو ذاته الذي أخرج ديفيد كاميرون، وبعده ماي، وها هو رأس بوريس جونسون يغرق في تحدّي الخروج، ففي حين تبدو الفضائح التي أحاطت بحكومته جذّابة للإعلام، ولكن في الواقع، لم يجد جونسون المتطرّف ضد أوروبا طريقةً آمنة للخروج من اتحادها، وقد عرف كيف يطيح تيريزا ماي، ولكن لم يعرف كيف يجد لنفسه مخرجا، والمشكلة الأكبر التي يواجهها حزب المحافظين اليوم أن استطلاعات الرأي تُظهر تفوّقا لأنصار الاتحاد الأوروبي! وكأن ثمّة في الأفق ما يشبه الندم على نتيجة استفتاء 2016، هذا التقدّم لأنصار أوروبا لا يعني أن انقلابا للرأي قد حصل، وإنما أن الجمهور مغتاظ من رؤساء الوزراء الذين فشلوا في الخروج..
لم يكن أداء جونسون الاقتصادي مشجّعا، وقد استفحل مع قدوم خطر "كورونا"، ثم تبعته فورا الحرب في أوكرانيا، ما جعل السوق البريطاني تُصاب بالتضخّم الشديد، مع غلاء الأسعار، ولم تلعب إجراءات جونسون دورا في السيطرة على تبعات ذلك، وإن لم يكن له يد في هذين العاملين، ولكن التخلص من جونسون قد يُشعِر الناخب البريطاني بالرضا المؤقت.
يرغب تنظيم المحافظين السياسي بالدفاع عن نفسه سريعا، وما زال لديه بعض الوقت قبل حلول موعد الاستحقاق الانتخابي المقبل، ويرغب أعضاؤه بزعيم جديد قادر على تجميع طاقات الحزب، لضمان تفوقه في الانتخابات، خصوصا أن حزب العمال يُبدي تحدّيا جدّيا بزعيمه الجديد كير ستارمر، وسيبدأ السباق الانتخابي. ومن المثير معرفة أن من بين الطامحين لمنصب قيادة حزب المحافظين، والسكن في المنزل 10 في "داوننغ ستريت"، ثلاثة من أصول أجنبية، أحدهم باكستاني الأصل (ساجد جاويد) والآخر عراقي كردي (ناظم الزهاوي)، أما الثالث فهو من أصول هندية (ريشي سوناك)، وهو أقواهم، وتعود قوته، ربما، إلى موقفه المتطرّف الداعي إلى الخروج الكامل والنهائي من الاتحاد الأوروبي، وهو العنوان نفسه الذي فاز بواسطته بوريس جونسون.