خيارات الحرس الثوري... المرشد والقنبلة النووية
كان الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، مشروعاً سياسياً لدى المرشد والحرس الثوري، اللذين أحكما السيطرة على السلطة في إيران، فرَقُوهُ في المناصب، سعياً إلى أن يصبح المرشد القادم، ولتتجدّد تلك السيطرة والشراكة إلى أزمنة مقبلة. ولذا أفسد موتُه السعادة على الطرفين المذكورين، إنّه القدر، فارتبكا كثيراً؛ فإذا كانت مسألة الرئاسة غير معقّدة، وربما سيقع الاختيار على رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، أو شخصية أخرى، فإن خلافة المرشد هي المشكلة، وتحديدها أمرٌ بالغ التعقيد وقضية مستعجلة، وهناك ندرة في الشخصيات المؤهلة لتكون مرشدة للشؤون الدينية والزمنية، وفقاً لولاية الفقيه، وبالتالي، لا بد من مرشدٍ قوّي "ومضمون"، ويخدم سياسات الحرس.
مشكلة الحرس والمرشد، الحاليين، هي في العزلة التي لفّا نفسيهما بها، والرؤى العقائدية الخلاصية بأنّهما الأكثر حفاظاً على هذا البلد. لقد همّشا الإصلاحيين، وهم جزء من النظام، وهم ليسوا كمهدي كروبي أو مير حسين موسوي من خارجه، المحتجزين في الإقامة الجبرية منذ 2009، وواجها الاحتجاجات الشعبية بعنفٍ هائل بالسنوات الأخيرة، وانغلقا ضد التعدّدية السابقة في مراكز قوّة النظام، سيما زمن رفسنجاني وخامنئي، ولم يستسيغا حسن روحاني وانفتاحه على الغرب، ولا حتى محمد خاتمي. وهناك الازمة الاقتصادية والاجتماعية العنيفة، وعدم قدرة النظام على تليين الأميركان بما يخص الاعتراف لإيران بحقها في امتلاك القنبلة النووية، والتمدّد الإقليمي، ورفع الحرس من قوائم الإرهاب الدولية. يجد الحرس والمرشد نفسيهما في ورطةٍ كبيرة، فكيف الخروج منها، هل بمزيد من احتكار السلطة أم بالانفتاح على التعدّدية تجاه مراكز النظام وتجاه الشعب والبدء بإعطائه بعض التنازلات؟
مشكلة الحرس والمرشد، الحاليين، هي في العزلة التي لفّا نفسيهما بها، والرؤى العقائدية الخلاصية بأنّهما الأكثر حفاظاً على هذا البلد
لا يبدو أن قادة الحرس والمرشد في وارد التفكير الواقعي، المنصوص في السؤال السابق ولصالح الانفتاح. ويبدو أن العزلة والخوف على مستقبل الجمهورية سيدفعهما إلى التفكير بفتوى جديدة متشدّدة، وتقول إن من حق إيران امتلاك القنبلة النووية، وقد امتلكتها، وأن ذلك كان أمراً اضطرارياً، لحماية الدولة الإيرانية من المخاطر الخارجية؛ وربما يكون الإعلان ضمن الخمسين يوماً. المرشد والحرس ومعهما مجلس خبراء القيادة سيتفقون على مرشدٍ لقادم الأعوام في أقرب وقت، أو قيادة جماعية ريثما يعثروا على مرشدٍ، مماثل لخامنئي، وبالتأكيد لن يكون مجتبى خامنئي، ويرفض والده أن يصبح ابنه مرشداً، ووفقاً لأعرافٍ سَنّها الخميني برفض تنصيب ابنه مرشداً من بعده، علماً أنّه قانونياً لا شيء يمنع ذلك. إذاً، ولأسباب كثيرة، مجتبى خارج احتمالات الإرشاد.
كان واضحاً مسعى الحرس الثوري، من قبل، نحو الاستقلالية الكاملة في المجال النووي، ولكن ذلك واجهته عقباتٌ كبرى، ولم يتفقوا مع إدارة الرئيس الأميركي بايدن للعودة إلى الاتفاق النووي الذي فسخه سلفه ترامب الذي يبدو أنّه سيعود رئيساً وبسياسة الضغط الأقصى. وبالتالي، من مصلحة الحرس الإعلان عن امتلاك إيران القنبلة النووية، والانتماء للنادي الدولي النووي، وحماية إيران من عبث دولة الاحتلال والابتزاز الأميركي، والذي لم يتوقف ومنذ عقودٍ.
انفتحت إيران بزمن رئيسي ووزير خارجيته، عبد الأمير حسين اللهيان، على علاقات دبلوماسية هادئة مع مصر والسعودية، ودفعت النظام السوري ليعود إلى جامعة الدول العربية، وتوصلت إلى عقد اتفاق بكين بين إيران والسعودية، وبغضّ النظر عن أن علي شامخاني هو من ساهم بذلك؛ لم ترضَ عن ذلك دولة الاحتلال، وراقبته الإدارة الأميركية بمزيد من القلق، وإن الاتفاقية الاستراتيجية المزمع الإعلان عنها بين أميركا والسعودية هي، في وجهٍ منها، لإغلاق المسار الإيراني هذا، وكذلك الاتفاقيات الابراهيمية، والتي ستعمل (الاتفاقيات) على عزل إيران من جديد، وضرب دبلوماسية الانفتاح على العرب. هذه المعطيات، ستُعقّد من مهمة الحرس في رسائله المقبلة نحو السعودية، وكذلك تجاه العلاقة مع أميركا ودولة الاحتلال، حيث سيحاول القول إن القنبلة النووية ليست موجهة ضد السعودية، وهي حق لإيران، وأن دولاً كثيرة تمتلكها، وأن إيران ليست بأقل أهمية من تلك الدول، وأن من حقّ السعودية أو أية دولة عربية امتلاكها.
هناك تعقيدات كبرى أمام المرشد وقادة الحرس، داخلية، وإقليمية، وعالمياً. والأسوأ أنهما لا يريدان تغيير استراتيجيّتهما
سيكون إعلان الحقّ بامتلاك القنبلة النووية وبفتوى جديدة إحدى الأدوات القوية في الداخل الإيراني ولضبطه، حيث ترى السلطة العميقة أنها ستكون قنبلة "قومية" لصالح الشعب الإيراني، وأن إيران امتلكتها رغم كل الحصار الخارجي ضدها، ورغم الاحتجاجات الداخلية، وعلى المحتجين دعم الدولة في اللحظة الراهنة، وهي فخر لإيران وللإيرانيين. لن تمرّ هذه القضية على شعب إيران، ولا على بقية مراكز القوة في النظام، وأغلبيتهم ليسوا من أنصار التصعيد، والاعلان عن القنبلة هو أكبر تصعيد في هذا اللحظة، أي أن العقبات والتحدّيات ستزداد أمام السلطة الفعلية في إيران. وبذلك، تكون السلطة قد وضعت نفسها أمام تشدّدٍ أميركي وأوروبي واسع، واحتمال ضربة نووية من دولة الاحتلال. وتقول تقارير صحافية إن الولايات المتحدة ودولة الاحتلال هدّدتا بالفعل إيران بذلك، أخيراً. وبالتالي، يصبح الإعلان عن القنبلة مسألة دفاعية للحرس الثوري، وربما تتجدّد الاحتجاجات وبقوة أكبر، وهي لم تنته لدى العرب والأكراد بصفة خاصة، وسترفض ذلك السعودية بصفة خاصة، وربما تتدهور العلاقات إلى ما قبل اتفاق بكين. وهذا سيّسرِع الإعلان عن الاتفاقية بين السعودية وأميركا، وبين الأولى ودولة الاحتلال؛ فهل تأخذ السلطة العميقة في إيران مخاطر ما بعد الإعلان.
هناك تعقيدات كبرى أمام المرشد وقادة الحرس، داخلية، وإقليمية، وعالمياً. والأسوأ أنهما لا يريدان تغيير استراتيجيّتهما؛ فرغم الانفتاح الدبلوماسي، فإنه لم يترافق مع تخفيف التدخّل في الدول العربية، ولا يكفي هنا عدم تفعيل وحدة الساحات وإعلان الحرب الشاملة، حيث ومنذ 7 أكتوبر أعلنت إيران أنّها ليست خلف عملية طوفان الأقصى، وضبطت مناوشات المليشيات التابعة لها، في لبنان واليمن والعراق وسورية، وحتى الردّ على العملية في السفارة الإيرانية في دمشق جاء منتظماً؛ إن الاستراتيجية العربية والأميركية ودولة الاحتلال، تطالب وتؤكد على ضرورة أن تنكفئ إيران داخلياً. وبالتالي، هناك عنصر تصادم بين الاستراتيجيتين، وإذا أضفنا موضوع القنبلة النووية، ستتصاعد الخلافات أكثر فأكثر.
لا يبدو أن خيارات الحرس الثوري والمرشد ستكون سلسة داخلياً وإقليمياً ودولياً، سيما بعد احتمال الإعلان عن امتلاك القنبلة النووية لردع الأميركان ودولة الاحتلال، وهي خيارات تشوبها المغامرة والمقامرة، والخيال والواقع، والحقّ والوهم؛ وسيتجه الطرفان إلى اختيار رئيس محافظ للغاية، وتحديد المرشد المستقبلي، وهي المسألة الأعقد أمام السلطة العميقة هذه، ولكن أثار ذلك الامتلاك، إن تمّ، سيفتح أبواب الجحيم على إيران، فهل تمتنع عن ذلك، وتختار الانفتاح كاستراتيجية عامة على الداخل والخارج؟ هذا ما يجب التفكير فيه.